الخيارات الصعبة.. قتل الهيدرا / حسين حمود

قد يبدو الإسم غريباً للبعض فالهيدرا وفق الأساطير الإغريقية مخلوق برؤوس عديدة كلَّما قطعت له رأساً خرج بديل له أو أكثر، 
تمر موريتانيا حالياً بفترة متغيرات إقليمية و داخلية في غاية التعقيد ، فبالإضافة إلى ضعف الجبهة الداخلية  نتيجة ما تعانيه الدولة من اختلالات في بنية الجهازالتنفيذي و تعثر الكثير من المشاريع التنموية ، أطلت برأسها مؤخراً مجموعة من التحديات الإقليمية التي تهدد  بإدخال البلد في أتون أزمات خارجية تنطوي على تداعيات قد تكون خطيرة في مضمونها و نتائجها .
تطورت الأوضاع في منطقة الساحل بشكل دراماتيكي كبير منذ انهيار منظمة تحالف دول الساحل الخمسة فوجدت موريتانيا نفسها في ظل رئاسة محمد ولد الشيخ الغزواني و قد انهارت أسس استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب في المنطقة  و عرفت حدودها الشرقية المزيد من التوترات خاصةً مع دخول ميليشيا فاغنر على الخط و تكرار حوادث قتل الموريتانيين على جانبي الحدود ، تلك الحوادث التي تكررت شمالاً على الحدود مع المغرب و أثارت موجة استياء واسعة لدى الرأي العام .
على الحدود الجنوبية أيضا حملت المتغيرات السياسية في الجارة السنغال نظام جديد إلى سدة الحكم في دكار ، نظاما طالما  كرر تصريحات سياسية مضادة لموريتانيا  فيما فسره بعض المتفائلين بضرورات الخطاب الشعبوي لاستقطاب العامة  ، و لكن طبيعة تلك التصريحات لثنائي الحكم سونكو و الرئيس بشيرو فاي  قبل الوصول للسلطة ستجد نفسها على محك الاختبار الحقيقي الذي سيحدد سياسة الدولة السنغالية اتجاه جارتها موريتانيا خاصةً مع بروز الخلاف مع إحدى كبريات الشركات الدولية المعنية باستخراج الغاز في المجالين البحريين الموريتاني و السنغالي ، خلاف سيحدد مدى إمكانية الموائمة بين مصالح بلدين تحكمها المصالح المشتركة و إكراهات الجغرافيا .
إن ما يمكن الإشارة إليه من تنوع للشراكة السياسية بشكل ملفت في فترة قصيرة لنظام الرئيس غزواني هو  تلك الاتفاقيات و الزيارات المتبادلة بين الجزائر و نواكشوط ، شراكة سياسية ترى فيها مصادر خاصة محاولة للالتفاف على تحالف مغربي مالي  سنغالي لتطويق نواكشوط سياسيا و اقتصاديا بهدف تحجيم دورها الإقليمي الذي بدأ يتنافى مع مصالح تلك الدول.
على الجبهة الداخلية ليس الوضع بأحسن حالا من الوضع الخارجي، فتمدد الفساد و إعادة تدوير رموز الأنظمة السابقة والتململ  الذي بات واضحاً للعيان لدى النخب  و هروب الالاف من الشباب على متن قوارب الموت و مغامرات الهجرة غير الشرعية كلها أمور تلقي بثقلها على كاهل صانع القرار الأول في القصر الرمادي في العاصمة نواكشوط 
تكونت أركان هذه المعادلة السياسية داخلياً و خارجيا في ظل مناخ انتخابات سياسية تعقب انتخابات برلمانية شابها الكثير من الجدل و اتهامات بالتزوير و تشكيك في نزاهة اللجنة الوطنية للانتخابات .
و في ظل كم الفشل و التقصير الكبيرين  تبدوا التحديات الإقليمية و  الداخلية في تزايد مستمر مع غياب الحلول الناجعة التي تستأصل الورم من أصله ، فعليه حتى تقتل الهيدرا يجب ان تقطع الرأس وتكوِي مكانه منعاً لخروجِ الرؤوس البديلة هكذا تقول الأسطورة.
إن التردد في حسم الخيارات السياسية و التأني في استئصال منظومة الفساد حتى أصبحت مستعصية على الإقتلاع تتجلى تداعيتهما اليوم بشكل واضح بحيث تطورت الخيارات إلى خياراتٍ أحلاهما مر ٌّ فاستباق الأحداث و حسم المعارك الوجودية بالسرعة و الحكمة المطلوبين أمران باتت ضرورتهما ملحة بشكل عاجل .
إن أربعة قضايا جوهرية تحتاج لتدخل فوري من قبل الرئيس غزواني إن كانت هنالك نية بالفعل لمنع الفأس من الوقوع في الرأس : 
تحصين المنظومة الإعلامية داخلياً من أجل خوض المعركة الخارجية في ظروف مريحة

تغيير سريع لواقع المعاش اليومي للمواطنين و التعجيل من عشرات المشاريع التنموية التي بقيت حبرا على ورق طيلة الخمسية الفائتة 

الإنتقال من موقع الدفاع السلبي إلى الدفاع الإيجابي على مستوى السياسة الخارجية

وقف شيخوخة الدولة و بعث الأمل من جديد لدى الشباب الذين فقدوا حتى إنتمائهم لهذا الوطن و باتوا يبحثون عن بديل له 
وقلت من التعجب ليت شعري
أأيـقـاظٌ أمـيّـة أم  نـيـام:

فإن يقظت فذاك بقـاء ملـك
وإن رقـدت فـأنـى لا ألام.
 

24. أبريل 2024 - 12:07

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا