عبر في أحداث الحادي عشر من سبتمبر / د.محمد الامين بن الشيخ بن مزيد

 د. محمد الأمين بن الشيخ بن مزيدالحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد فتمر هذه الأيام الذكرى الثانية عشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر ، وفي هذه الذكرى أذكِّر ببعض العبر المستخلصة من هذه الأحداث:

العبرة الأولى عبرة إيمانية فقد كان في هذه الأحداث درس من دروس التوحيد فالله وحده ( عالم الغيب والشهادة ) وهو وحده الذي ( عنده مفاتح الغيب ) وهو وحده ( الخلاق العليم)

وشمول العلم إنما هو لله وحده ({سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار} و البشر لا يحيطون بشيء من علم الله ( إلا بما شاء ) .

وقد أكدَت أحداث الحادي عشر من سبتمبر جهل البشر وعجزهم ، وأن ما لديهم من علم محدود ، وأن ما لديهم من قدرة محدود كذلك .

لقد خطط المنفذون لهذه الأحداث المعقَّدة ودبروا أمرَها وتحدثوا بذلك فيما بينهم ، وناقشوها ، واختاروا الوسائل والتوقيت والفاعلين والأهداف ، وحوَّلوا الأقوال إلى أفعال ، وكلُّ ذلك وأجهزة الاستخبارات الأمريكية صماء لا تسمع شيئا عمياء لا ترى شيئا ، كأن قارئا قرأ عليها ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون} . (اقرأ القصة التي وقعت للإمام القرطبي والتي ذكرها في تفسيره عند قوله تعالى ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ) وقد كان الجاهلون الجاهليون يصفون هذه الأجهزة بالعلم المطلق ، والقدرة المطلقة ، والرصد الدقيق لكل ما يحدث على الأرض ، وسواء أوافقنا الصحفي الفرنسي تيري ميسان في كتابه (الخدعة الرهيبة ) الذي يرى أن الأحداث تدبير أمريكي أم خالفناه ، فهذا لا ينقص من الحقيقة القائلة : إن الجهل كان هو السمة السائدة عند مختلف أجهزة الاستخبارات الأمريكية والعالمية في ذلك الوقت ، والاستثناء هنا _إذا صح _ يثبت القاعدة ولا ينقضها .

العبرة الثانية : لقد رأى الناس بعيونهم تصديق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حق على الله أن لا يرتفع شىء من الدنيا إلا وضعه. " رواه البخاري رأوه واقعا منطبقا على مبنى التجارة العالمي في نيويورك . لقد وُضِع البرجان واختفيا من معالم نيويورك و، كأن أبا تمام عناهما عند ما قال : رمى بك الله برجيها فهدمها ولو رمى بك غيرُ الله لم يصب وكان المألوف عند الناس أن تتخلف الآثار عن سكانها حينا ثم تلحق بهم كما قال أبو الطيب : أين الذي الهرمان من بنيانه ؟ ما قومه ؟ ما يومه ؟ ما المصرع ؟ تتخلف الآثار عن سكانها حينا ويدركها الفناء فتُصْرع ولكن الذي حدث في نيويورك هو العكس بادت الآثار قبل أهلها ، وشاهد وضْعَ البرجين من شاهد ارتفاعَهما .

العبرة الثالثة أن العزم والتصميم وعلو الهمة كفيل -بإذن الله تعالى -بتحقيق الأهداف مهما كانت عظيمةً وخياليةً وفوق التوقُّع ، فقد كان هناك من يريد أن يغزو أمريكا في عقر دارها ، وأن يُذلها إذلالا يشهدُه العالم كله ، ويتابعه العالم كله ، ويكون حدثا استعراضيا لا نظير له ، وكان لهؤلاء المريدين ما أرادوا ، فملؤوا الدنيا وشغلو الناس ، وتركوا في الدنيا دويا كما قال أبو الطيب وتركك في الدنيا دويا كأنما = تداول سمعَ المرء أنملُه العشر

العبرة الرابعة أن باب اكتساب المهارات مفتوح أمام الجميع وليس حكرا على عرق معين ولا منطقة معينة ولا جنسية محددة ، وإنما هو لمن جدَّ واجتهد وخطَّط وصمم ، فقد أتقن هؤلاء الشباب المهاراتِ التي أرادوا إتقانها في وقت قصير ، إتقانا بهر المتابعين حتى قالوا لا يمكن أن يكون قد قام بهذا العمل إلا المحترفون .

وقد تفنن المتابعون للحدث في تفسيرهم لما حدث بسبب استبعادهم أن تقوم مجموعة من الشباب المسلم العربي الهواة بهذا العمل الضخم ( يحسدونهم على العمل الذي يجمعون على إدانته !!) ومن الطرائف أن بعض الأخبار تفيد أن تركيز هؤلاء الشباب إنما كان على المهارات التي تفيدهم في إنجاز (مهمتهم المحددة )فلا مجال للترف العلمي ، ولذلك فلم يكن يشغل بالَهم التركيزُ على إتقان مهارة الهبوط الذي لم يكن في نيتهم !!

العبرة الخامسة أن هذه الأحداث ضربت طغيانَ الولايات المتحدة وعنجهيتَها وغرورَها واستكبارَها في الأرض بغير الحق – في الصميم ، فانطلقت مفجوعةً تقتل وتدمر وتغزو وتستعرض أساطيلها في المحيطات ، ومرت اثنتا عشرة سنة على الأحداث والولاياتُ المتحدة لا تزال مكلومةً مجنونةً مفجوعةً ، مصابة في كبريائها تبحث عن إنجاز (دموي ) يبني لها ما دمَّر تدميرُ البرجين الذين استغرق تنظيف المنطقة من آثارهما المادية – بكل الأدوات الأمريكية المتطورة – ثمانية أشهر !!فكم تُرى سيستغرق تنظيفُ النفسية الأمريكية من آثار تدمير البرجين المعنوية ؟

العبرة السادسة قبل هذه الأحداث كانت مقولة موشي دايان : (إن العرب لا يقرؤون ) مسلمةً عند الساسة الأمريكان إلى أن تم تدمير البرجين فاكتشفوا أن من العرب من يقرأ ! وبدؤوا التعامل مع هذه الحقيقة الجديدة فيقال – والله أعلم- أنهم سحبوا كمية هائلة من المعلومات من (الشبكة) حتى لا يطّلع عليها من يقرأ من العرب .

العبرة السابعة كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر مثل الأحداث العلوية الضخمة التي تلفت نظر الغافلين من البشر على هذه الأرض وتوقظهم من سباتهم مثل ( الكسوف الكلي ) وقد ذكَّرتني هذه الأحداث بحديث أنس بن مالك رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة وذكر أن بين يديها أمورا عظاما رواه البخاري ومسلم و عن سمرة بن جندب-في حديث طويل - (ولن يكون ذلك حتى تروا أمورًا عظامًا يتفاقم شأنها في أنفسكم، وتساءلون بينكم: هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرًا ؟ وحتى تزول جبال عن مراتبها » .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

لقد كان الأمريكان سادرين في غفلتهم يذهبون إلى العمل الساعة الثامنة صباحا ويعودون بعد الخامسة مساء وقد كادت الشمس تغيب ( أو غابت في بعض الولايات الأمريكية ) لا يجد أكثرهم وقتا للتفكير في (دعوة الإسلام )

لكنهم بعد الأحداث أفاقوا من غفلتهم وبدؤوا يسألون عن هذا الدين الذي ينتمي إليه هؤلاء المهاجمون ويبحثون عن الكتب التي تجيب عن أسئلتهم فيقال – والله أعلم – إن الكتب الإنجليزية التي تتحدث عن الإسلام نفدت من المكتبات بعد تدمير البرجين بوقت قصير . وما كان الأمريكيون ليُفيقوا من غفلتهم هذه الإفاقة المفاجئة بغير حدث ضخم كهذا الحدث الذي شهدته الساعات الأولى من يوم الثلاثاء 11سبتمبر 2001

تلك سبع عبر مستخلصة من هذه الأحداث ، واستخلاص هذه العبر لا علاقة له بالحكم على الفعل ذاته بالصواب أو الخطإ فهي عبر ثابتة على كل الأحوال والله سبحانه وتعالى أعلم . 

17. سبتمبر 2013 - 20:28

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا