الغزواني كخيار /

طوال السنوات الخمس الماضية حاولت تتبع وقراءة فلسفة الرئيس الغزواني  ، وكتبت مقالات عدة في هذا الصدد مبينا الخطوط العريضة التي تؤطر كل تحركات الرجل وتوجيهاته وقرارته .
وما كان يدفعني للانشغال بهذا التأطير هو أهمية البنية الشخصية والثقافية لرئيس الدولة  ، لأنها بنية يتحتم أن تصدر عنها فلسفة الحكم العامة والتي يفترض أن تكون مرجعية للعمل الحكومي بكل تفاصيله المعقدة .
وقد كان صديقي الإعلامي المخضرم / محمد فال ولد عمير يستخدم عبارة ذكية فيما بتعلق بالمساحة الحرة التي يشغلها الموظف ضمن حدود مسؤولياته وعلاقتها ( أي هذه المساحة) بالرؤية العامة للرئيس ، حيث كان يستخدم مصلح " فقه المرحلة " أي أن على الموظف العمومي أن يجتهد في أداء مهامه ضمن توجه عام وضمني يتعلق بحسن قراءته للتصورات أو الفلسفة العامة لرئيس الجمهورية .
وكنت معجبا بهذا التصور ليس فقط بحكم اقتناعي به وإنما لارتباطه بالقدرة على قراءة هذا التصور والعمل ضمن مقتضياته خدمة للنظام الملتزم بخدمة الشعب الذي زكاه.
لذلك كنت مهتما بمحاولة رصد المنطلقات العامة لرؤية وفلسفة الرئيس غزواني ،كمحاولة لربط الأداء الرسمي والسياسي بناظم عام وهو رؤية رئيس الجمهورية ( أو فقه المرحلة كما يسميه الأستاذ عمير ) .

وكتبت خلاصة لتلك المنطلقات في مقالات منها : 
فلسفة غزواني (1) : الواقعية 
فلسفة غزواني (2) : الرؤية والروية في برنامج تعهداتي 
فلسفة غزواني (3) : موالاة إصلاح لا موالاة مصالح 
فلسفة غزواني (4) : هندسة التشاور
فلسفة غزواني(5) : بنية الخطاب والأداء السياسيين 
فلسفة غزواني(6)  : الاستثمار في الاستقرار 
فلسفة غزواني (7) : التنمية قبل السياسة 
فلسفة غزواني (8) : إدارة الأزمة 
فلسفة غزواني(9)  : الخط السياسي الثالث 
ناقشت في الكثير من المقالات الأخرى بعض المواضيع الجزئية في ذات السياق ( معالم فلسفة الرئيس ) لكن المذكورة منها هنا كانت الأشمل في كل جزئية على حدى .

في هذا المكتوب سأتناول الغزواني كخيار لمرحلة قادمة وليس كرئيس اقتنعت به وبأدائه في المرحلة الماضية .
ليس سرا أن جل المصوتين في أي انتخابات رئاسية هوم ناخبون موجهون ضمن تقاليد سياسية محلية تتضافر فيها المؤثرات السياسية والقبلية والجهوية والمالية ، لكن ذلك لا يمنعنا من استغلال الوضع القائم في تمرير رسائل تتعلق بالوعي بخياراتنا كأفراد بعيدا عن المؤثرات المذكورة والمعروفة  .

حكم الرئيس غزواني خمس سنوات أعتقد أنها كانت السنوات الأكثر أهمية في تاريخ البلاد من حيث الأداء الاستراتيجي والتأسيسي للدولة ( سأتناولها تباعا ضمن نشاط الحملة )
لكنه قبل أن يكون رئيسا هو من حيث التكوين والخبرة والممارسة رجل أمن واستخبارات وقائد عسكري ميداني .

ولا يخفى أن بلادنا تمر يمستجدين فارقين ، أحداهما يتعلق ببدء استغلال ثروات مهمة وكبيرة أهمهما على الإطلاق حقول الغاز ومشاريع الهيدروجين الأخضر .
الثانية تتعلق بأمن البلاد واستقرارها .
وهناك ترابط وثيق بين هذين المستجدين من حيث حاجتهما للأمن والاستقرار والحماية .
 فحماية أمن البلاد واستقرارها وسلامة مواطنيها ليست ملفا معزولا عن استقطاب الاستثمارات  واستغلال الثروات والتشييد والبناء .
فكل عناصر البناء ( الثروة ، التنمية ، الاستقرار ، الاستثمار .. ) مرتبطة ارتباطا عضويا بملف الأمن .

كان الرئيس غزواني هو مهندس كل الكيانات الأمنية في المنطقة والشريك والحليف والصديق الموثوق في كل تلك التنسيقات ، وفق نهج متزن ومحايد عن كل أطراف الصراع في هذه المنطقة الحساسة عالميا على المستوى الأمني .
وحده غزواني من يستطيع اليوم أن ينسق بين كل الأطراف المعنية بالصراع في منطقة الساحل وغرب إفريقيا وعلى كل المستويات ( فرنسا ، الولايات المتحدة ، روسيا ، الخليج العربي ، الجزائر ، المغرب .. الخ ) .
وحده غزواني هو القائد ذو الخلفية والتكوين العسكري والسياسي الذي يمكنه أن يدير ملفات التنمية والأمن معا وفي ظل ظروف إقليمية تحتم الجمع بين كل هذه الخبرات والعلاقات .

هناك الكثير من الخطب الحماسية والأطروحات الحالمة الممتطية للخطاب الشعبوي كأداة تأثير استغفالية عاطفية ، وهذا ما يدفعنا لتعبئة الناخبين على أسس عقلانية تركتز ارتكازا كليا على الاختيار الواعي من ناحية والانخراط العام والشعبي في تأمين البلاد واستقرارها باعتبار ذلك مصلحة فردية تهم كل مواطن باعتباره مواطنا وليس باعتباره ناخبا فحسب .

وما ذهبت إليه في هذا التقييم الحر والحيادي يمكن وضعه ببساطة على محك المقارنة بين كل المترشحين ليتضح حجم الفارق الكبير والكبير جدا فيما يتعلق بالأهلية الشخصية والسياسية والمعرفية بين الأسماء المطروحة لخوض الانتخابات القادمة .
وفي اعتقادي أن الالتزام الفردي بالمسؤولية الوطنية يقتضي أن يقوم كل منا بواجب التعبئة للأصلح بعيدا عن التأثر اللحظي بخطابات الشرائحية والجهوية والاستغفال العاطفي .

فحين نفقد زمام المبادرة الأمنية ستتجه كل أنظارنا لقادتنا العسكرين ولن نتذكر باعة الوهم السياسي والعزفين على أوتار الشرائحية و الاستغلال الديني والعاطفي .
ولن ينفعنا أحدهم في تأمين حدودنا ولا في حماية ثرواتنا واستثمارات شركائنا وحلفائنا ، ولن نجد من بينهم من جلس نسج علاقة واحدة على المستوى الدولي يمكنها أن تعين في إشكال وطني واحد .

لذلك أختم هذه القراءة باقتراح أدعو له جميع أفراد الشعب الموريتاني مفاده أن رجل الأمن ورجل السلاح ورجل السياسة ورجل العلاقات القوية والثقة الدولية ، ليس مجرد خيار ضمن خيارات متشابهة .
إنه وحده المؤهل لقيادة وإدارة المرحلة القادمة ولا خيارات أخرى .

28. أبريل 2024 - 11:09

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا