لقد اطلعت في أحد المنتديات على بعض الإجابات الطريفة على مجموعة من الأسئلة البسيطة، وهذا سؤال من بين تلك الأسئلة البسيطة التي أجيب عليها بطريقة طريفة:
سؤال: ما فائدة الأذن؟
جواب: تحمي النظارات من السقوط!!
ومن المحتمل بأن صاحب هذه الإجابة قد يكون شخصا في منتهى الغباء، وهذا أول ما قد يتبادر للذهن عند سماع إجابته، ولكن من المحتمل أيضا بأنه قد يكون شخصا في منتهى الذكاء.
أن يكون صاحب هذه الإجابة في منتهى الغباء فذلك أمر واضح، ولكن كونه في منتهى الذكاء فذلك أمر يحتاج إلى توضيح.
حاضر..
لقد حاولت أن أتخيل بأن هذا الجواب صادر عن شخص ذكي جدا، وحاولت بالتالي أن أتخيل الوضعية الحرجة التي فرضت على صاحبنا الذكي أن يجيب بهذه الطريقة الغريبة.
تخيلتُ أن هذا الذكي كان ثرثارا، وأنه كان يتحدث مع شخص ذكي آخر، وأن هذا الأخير لم يمنحه صاحبنا فرصة للتحدث، فما كان منه إلا أن سأل صديقه عن فائدة الآذن؟
ولأن المتحدث الذكي قد فهم قصد صاحبه، وبأنه يريد أن يوقعه في فخ، فما كان منه إلا أن أجاب بهذه الإجابة الغريبة: فائدة الأذن أنها تحمي النظارات من السقوط!!
منذ أيام أجاب أحد نوابنا الأذكياء بجواب كهذا، وذلك عندما سئل بسؤال يقترب من هذه الصيغة:
ـ لماذا لا توزع السلطة السمك على المواطنين إلا في الأيام التي تتظاهر فيها منسقية المعارضة؟
وكانت إجابة النائب الذكي على النحو التالي:
ـ ولماذا تصر منسقية المعارضة على أن لا تتظاهر إلا في تلك الأيام التي توزع فيها السلطة السمك على المواطنين؟
ومن الواضح طبعا، ومن خلال هذه الإجابة، بأن هذا النائب ينتمي للأغلبية، وهذا استنتاج لا يحتاج إلى ذكاء، ولكننا مع ذلك لن نضيف إليه استنتاجا آخر.
وأذكر أن نفس النائب كان قد أجاب بطريقة ذكية على سؤال كنت قد أرسلته إلى معد ومقدم برنامج تلفزيوني ليطرحه على ضيوفه الثلاثة، والذين كان من بينهم النائب المذكور، بالإضافة إلى نائب من منسقية المعارضة، ونائب ثالث من المعاهدة.
كان السؤال على النحو التالي:
هناك حقيقة يجب أن يعترف بها ضيوفك الكرام، وهي أن هذه الكتل الثلاث (السلطة، المنسقية، المعاهدة) لم تعد قادرة على التستر أمام الشعب الموريتاني على عجزها ولا على فشلها الذريع في تنفيذ مشروعها السياسي..
فالمعارضة عاجزة عن تحقيق شعارها الذي رفعته منذ مدة، أي شعار فرض الرحيل.
والمعاهدة عاجزة عن جر الأغلبية والمعارضة إلى طاولة الحوار رغم مرور مدة طويلة على إعلان ميلاد مبادرة الرئيس مسعود.
والسلطة عاجزة هي بدورها عن تنظيم أية انتخابات لأسباب تقنية، وكذلك لأسباب سياسية لا يلوح في الأفق أنها ستنفرج قريبا.
وكانت خلاصة إجابة النائب المذكور على النحو التالي:
السلطة لم تعد معنية إطلاقا بموضوع الانتخابات، فالانتخابات أصبحت من اختصاص اللجنة المستقلة للانتخابات، ولذلك فتهمة العجز إن كان هناك أصلا أي عجز يجب أن توجه للجنة المستقلة للانتخابات.
وأذكر أني من قبل ذلك كنت قد نشرتُ مقالا عن البرلمان الموريتاني وعن غرائبه وعجائبه، ومن ضمن ما قلتُ في ذلك المقال هو أن النائب في البرلمان الموريتاني قد يتخذ موقفا عدائيا ضد دائرته الانتخابية التي انتخبته، وذكرتُ عدة أمثلة لعدة نواب اتخذوا مواقف ضد دوائرهم التي انتخبتهم، وكان من بين تلك الأمثلة مثالا يتعلق بالنائب المذكور.
ولقد اتصل بي هذا النائب بعد ذلك المقال هاتفيا، وحدثني لمدة طويلة جدا، وذلك ليقنعني بأنه لم يتخذ موقفا عدائيا ضد دائرته، وقد طلب مني في تلك المكالمة أن أتصل به ليعطيني بعض التسجيلات لبعض مداخلاته في البرلمان، عن الحادثة التي أوردتها كمثال، وذلك لكي أتأكد من انه لم يتخذ موقفا عدائيا ضد دائرته، بل على العكس فقد دافع عنها في ذلك الملف الذي قدمته كمثال.
للأسف لم أتمكن من الاستجابة لدعوة النائب، ولم أقتنع بكل ما جاء في مكالمته، ولكن ورغم ذلك فلا أخفيكم بأني قد انبهرت بذكائه، وبتسلسل أفكاره، وبطلاقة تلك الأفكار حتى وإن كانت غير سليمة حسب وجهة نظري، ولقد تمنيتُ لو أن ذلك النائب الذكي كان في صف المعارضة، لأنه لو كان في صفها لبهرني أكثر، ولأنه لو كان في صفها لكان قد أعفاني من أخصص له الورقة السادسة من الأوراق المزعجة جدا التي كتبتها بعد انقلاب السادس من أغسطس.
وبجملة واحدة، لو أن هذا النائب الذكي كان في صف المواطن لا في صف السلطة لشغل الناس سنين عددا.
حفظ الله موريتانيا...