أسوء ما في الشبكة العنكبوتية أنها فضاء مفتوح للسباحة في المطلق، وصناعة الفراغ؛ لذا لا غرابة إن تنامت المواقع الألكترونية نمو الطحالب، وأصبحت وكرا لصناع إعلان إشاعة الفاحشة، وشوكا يخز المشاعر العامة لأغلى ما يملكه هذا الشعب المغلوب على أمره وهو القيم، وذلك لرمزيتها ولطابعها الحضاري المستديم ما يجعل المستجير بهذه المواقع (مطالعة أو فضولا) كالمستجير من الرمضاء بالنار.
لقد ضربت أكثر المواقع الاكترونية في بلادنا الثقافة القيمية في العمق، واستنبتت مكانها ثقافة جديدة روحها الفاحشة وغذاؤها الكذب وتزوير الحقائق؛ حتى صارت مضربا للمثل العربي: "أكذب من نار الحباحب"، وهى تسابق موسوعة غينس للأرقام القياسية كي تسجل نفسها على قمة العجز والإخفاق والاستسلام لتقليد الآخر على نحو مشوه في ثقافته، وكأن قناعة أبطال مهنة المتاعب الجدد هي أن المادة الإخبارية لا تكون مكتملة السعرات الحرارية إلا بذكر الفواحش والمنكرات!!
فسحقا لمروجي الكبائر، وتحية للكاتب الكبير و الصحفي الإنسان محفوظ ولد الحنفي الذي نبش سباقا في منكرات هؤلاء وقوم اعوجاجهم.. لكنهم لا ينتصحون!! صحيح أن هذه المواقع؛ التي تروج الكبائر والتزوير على الناس؛ تعاني من الابتذال وتفتقر إلى ضوابط المهنة والأخذ بقواعدها وأصولها، وهي ليس لديها ما تقدمه للمنافسة سوى إشاعة الفواحش.. و"كل إناء بالذي فيه ينضح". لكن صحيح أيضا؛ في الجانب الآخر من المعادلة؛ أن هذه المواقع للأسف تلبي في جزء من وجبات الإثارة حاجة ضالة عند بعض أفراد مجتمعنا المنخور من الداخل، لكن لإشباع الغريزة حدود، ولخدر الحرام حواجز وممنوعات. إن هؤلاء المغامرين مغامرة الصبية اللاهون على قمم الموج يستنطقون السراب، بحاجة إلى وقفة تأمل ومراجعة للنفس والذود عن حياض المنافسة الشريفة للمواقع الأخرى بأخبار جديدة ومشوقة تعتمد الصدق والحياء والحس الأدبي والأخلاقي، والتحقق من الحوادث ونشر تفاصيلها كاملة، في ثنائيتي الزمان والمكان..
لكن هواء البعض سقيم ولا يتسع إلا للظن حتى ضل سعيه فتعرى من حلة التقوى ولباس الهدى، واستسلم خنوعا لطابع الهوى، ولم تضع عليه نفسه مراقبة ولا خشية من المحاسبة؛ فأصبح لدين الله مضياعا، ولدواعي الشيطان مطيعا.!!
ويبقى عزاؤنا في هؤلاء دائما هو أن زهو الباطل مزهوق لا محالة، وأن لعبة الكلام بلغة الفحشاء لا تفيد إذا كان أبطالها مزيفين، وكانت خشبتها من كرتون!!.