ثرثرة بلا صدى.. / محمد عبد الرحمن ولد الحسن

altكإنسان حين صرت مميزا أدركت أنني مهما عشت سيأتي يوم أصير فيه إلى العدم ، وأصبح نسيا منسيا، بل و أصبح مجرد رفات عظام يدخل في تشكيل أديم هذه الأرض، ومع علمي بأنني سأنتهي يوما ما فإني أعمل على أن أبلغ الكمال في كل شيء، و العظمة في كل أمر، و أن أبدع في هذه

 الحياة شيء أعظم مني، فقط لأن غريزتي ترفض الخمول ، والجمود، و هذه سنة الله في خلقه، و الأشياء هي أيضا كالإنسان ، لابد أن يأتي يوم تبقي فيه محض أطلال ساحقة ، ردمتها الجغرافيا و نسيها التاريخ ، و في الأيام الماضية كثر الحديث عن قرب اختفاء العاصمة انواكشوط التي يغرقها الماء من جهة ، و تخنقها الرمال من جهة أخرى ، فكثرت بذلك الثرثرة في هذا الموضوع الممل ، و الحقيقة أننا لا نمل الثرثرة اللامنتهية ، و اللامجدية ، فالوقت الذي نضيع في الكلام عن قرب اختفاء العاصمة يمكن أن نبني فيه سور الصين العظيم ، إلا أننا نحسن الكلام فقط .

اليوم و أكثر من أي يوم مضى أدركت ضعف و وهن طموحنا كشعب ، فنحن كشعب يحلم بالتقدم و الرفاه كان من الأولى أن نستثمر الوقت الذي نضيع في الرجم بالغيب في التفكير في آليات ننهض بها ، و نبني بها عاصمة يكون غرقها ، أو دفن الرمال لها كارثة ، لا عاصمة تتعالى عليها المصائب و تستصغرها .

ثم إنني أستغرب من اهتمام البعض بموضوع اختفاء العاصمة هذا ، و كأنها أول مرة تغرق فيها العاصمة أو نغرق فيها نحن ، فهذه العاصمة تغرق في البأس والحزن ، و الضياع منذ خمسين سنة ، و نحن نغرق في الغبار ، و الفقر ، و الفوضى منذ كنا في بطون أمهاتنا ، و ما زلنا كذلك .

من الغريب أن ضعف الدولة الموريتانية يتجلى في أبسط الحوادث ، فالدول تواجه الزلازل ، و البراكين ، و الأعاصير و الفيضانات ، بالوسائل اللوجستية المناسبة، لتحمي مواطنيها من طغيان الطبيعة البربرية ، و نحن نعجز أمام حبات من المطر ، لا تشكل خطر لأبسط بادية في العالم ، بدل عاصمة دولة كان من المفترض أن تكون ذا صرف صحي .

كثيرا ما أتسائل لماذا كمواطن أدفع الضرائب ما دامت الدولة تعجز عن حماية مصالحي ، و هذه بذاتها ليست دعوة للامتناع عن دفع الضرائب ، بقدر ما هي دعوة لتوظيف إيرادات الضرائب في أشياء تخدم ، و تحمي مصالح الذين يدفعون هذه الأموال .

في جميع الحالات ، سواء كانت هذه العاصمة ستختفي أو ستكون من الخالدين ، فإننا يجب أن نشيدها ، و نمنحها من الطاقة ما يمكنها من الصراع من أجل البقاء ، لتكون مصدر فخر لنا ، لا مصدر خجل و خوف ، و أن يكون حديثنا عن العاصمة حديثا إيجابيا بدل هذه الثرثرة التي لا صدى لها .

 

24. سبتمبر 2013 - 13:15

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا