رغم أنني لم ألتقي الاعلامي ياسين عدنان إلا أنني وددت لو إلتقيته لكي أشكره على المقال الرائع الذي وصف فيه واقعنا في سطور ليرتقي بذلك بقصة بأسانتا ، و بواقعنا المتفاقم إلى مستوى الرأي العام ، لكي يسمعها الأصم ، و يقرأها الأعمى .
من لم يعمي التعصب بصيرته سيدرك أن الأخ عدنان لم يفتر علينا كذبا ، بل يمكن القول أنه كان لبقا سلسلا في وصفه لما رأى، فحديثه في بداية المقال عن المطار كان فيه منصفا منطلقا من واقع عاشه ، و نحن كموريتانيين ندرك أنه كان صادق ، فنحن نعلم أن الحمير، و الماعز في المطار أمر عادي ، و معتاد بل ظاهرة صحية ، و فأل حسن ربما ، و لا يفوتني أن أشير إلى أن هناك قطيع من البقر يجوب شوارع العاصمة يملئها بالقذارة ،و البداوة ، و نعلم أن مطار نواكشوط ليس معروفا محليا ، أحرى دوليا ، و نعلم جميعا أن الخدمات العمومية وهنة كبيت العنكبوت عموما .
أما الحديث عن الأرصفة و الطرقات ، فهو حديث يدمع العين و يفطر القلب ، فلا طرقات ، و لا أرصفة فنواكشوط أشبه ما يكون بالأدغال .
و أما إشارته إى البنى التحية فنحن لا نفكر في تلك الأمور ، على الأقل ليس في الوقت الحاضر ، لأننا مجتمع جائع يفكر في كسرة الخبز و الرغيف أكثر من تفكيره في أي شيء آخر.
و لا يفاجئني تحدث الصحفية التي ذكر الأخ في مقاله أثناء إلقائه فهذا أمر متعارف عليه عندنا ، بل سار به العرف هنا ، فنحن لا نعرف حدود للثرثرة و مقاطعة الآخر ، فاللباقة في كوكب لم نمنح بعد تأشرة دخوله .
و بخصوص حرية الإعلام فمن الأكيد أن عدنان قد استغرب من كون البلد الذي لا يوجد فيه معهد لا عام و لا خاص للصحافة يتصدر قائمة الدول العربية في حرية الإعلام ، على العموم هذا أمر معقول لأن المجتمع الموريتاني لا يحسن شيئا أكثر من تناقل الأخبار ، و لا يمكن أن يحول بينه مع ذلك حائل ، حتى عقوبة الحبس التي ألغيت مؤخرا لعدم جدوائيتها ربما .
ليس عدنان هو الزائر الوحيد الذي يبدي استياؤه من واقعنا ، بل أجزم أن كل من زارنا سواء رئيسا ، أو وزيرا ، أو سائحا ، أو شاعرا إلخ ، قد استاء مما رأى ، و خير مثال المقال الذي كتبته هويدا طه بعنوان "زيارتي إلى موريتانيا الأولى و الأخيرة " الذي لعنت فيه الواقع المرير الذي شاهدت ، و لكن أهل مكة أدرى بشعابها ، فما لم يعرفه هؤلاء و عرفناه نحن أعظم ، فالحمد لله أن عدنان لم يمرض هنا ، و إلا كان مات مرضا ، و الحمد لله أنه لم يتعلم هنا ، و إلا كان عالة على الزمن الذي وجد فيه ، ولو أنه فهم حقيقة الوضع السياسي الراهن للبلد لما كان أتعب أنامله بالضغط على الآلة الكاتبة ليصفنا .
صدق الرجل في كل ما قاله ، و الواقع على ذلك من الشاهدين ، لذا فبدل التطاول على الرجل بالألفاظ النابية ، و النقد اللاموضوعي ، علينا أن نتقبل أن هذه هي الحقيقة ، و نسعى إلى تغيير واقعنا إلى الأحسن .