ليسمح لي أستاذي حبيب الله ولد أحمد (هذا إذا قبلني في زمرة تلامذته) أن أختلف معه حول المقال الذي أثير مؤخرا، وإني شارح ذلك في النقاط التالية:
- الكاتب المغربي الأستاذ ياسين عدنان كتب بشكل بسيط وبـسطحية أدبية وبسهل ممتنع ما شاهده أثناء زيارته للعاصمة، بدون زيادة أو نقصان أو تكلف أو تصنع بلاغي، ثم إن ما كتبه حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها، حتى إن أقرب كلمة لقارئ ذلك المقال هي: "صدقتَ."
- إن كُـتابنا الذين أغضبهم المقال لم يردوا عليه لا بصفة علمية ولا موضوعية، واكتفوا بتفخيم المصطلحات الوطنية من قبيل "بلادي وإن جارت علي كريمة"، ومن قبيل "سعاد تلعب بدميتها، وهذا ليس هو الموضوع.
- على كتابنا أن ينتبهوا لردودهم المليئة بالهجوم والتخوين والبحثِ من وراء الكلمات، وعليهم أن يعلموا أن هذا نص بسيط وعفوي، وليس قصيدة لشاعر جاهلي نبحث عن خفاياها واختلاف النحويين وأهل اللغة في دلالات ألفاظها ومقاصدها. وإني -بكل أسف- قرأت أغلب الردود على المقال وكانت -أقول وبكل أسف- كانت ساقطة علميا.
- أغلب الذين هاجموا الأستاذ ياسين هاجموه بصفته أجنبيا غريبا، وإنهم لم ينصفوا لا أنفسهم ولا القارئ من جهتين. من جهة أننا لا ينبغي أن نعتبر المغربي أو الصحراوي أو الجزائري أجانبَ، ونحن الذين فرقنا المستعمر بمساعدة من الحكام (عن قصد أو عن غير قصد)، فنتجت عن ذلك حدود كنت أعتبرها حدودا مادية لا يُمكن أن تعيق تواصلنا الفكري والعلمي وتبادل الخبرات بيننا، ولكن اعتقادي تبدد بعد ما رأيته من حمية في غير محلها ونصرة للروابط الوشائجية على حساب الحقيقة.
ومن جهة أخرى أن كتابنا لا يمكن أن تلد ناموسة في قطَر إلا كتبوا عنها المقالات، بإنصاف وبغير إنصاف، وكذلك الحال في مصر وباقي الدول العربية الشقيقة، ومع ذلك لا يقبلون نقد الآخرين، متشبثين في هذه المرة بالدفاع عن عاصمتنا التي لا ترقى وبكل أسف إلى أن تسمى مدينة، نتجية لفساد أصحاب القرار، ولكسل شريحة كبيرة من المجتمع لا زال الفرد منها يستحي أن يضع لبنة على ظهره. وأتحدى الكُتّاب الذين ردوا على ياسين أن يأتوني بمواطن من ساكنة انواكشوط زرع حبة فستق أثناء الأمطار الأخيرة. ونحن الذين نتغذى على الخضروات والفواكه القادمة من المغرب.
- كل كاتب -موريتانيا كان أم غير موريتاني- يحمل مشروع تغيير ورسالة سامية، معتقدا أنه قد يغير من عيوب يراها في الآخرين، مستعينا بنقده البناء. فإذا كان هو لا يسمح للآخرين بنقد عيوبه فإن "رسالته السامية" مضروبة في صفر.
- لماذا لم يعترض هؤلاء الكتاب على إرسال المرضى الموريتانيين للعلاج في المغرب؟ أ ما كان عليهم الاعتزاز بمستشفيات انواكشوط كما اعتزوا بشوارعها؟ ألا يعتبر علاج المغرب للمرضى الموريتانيين تدخلا في الشأن الداخلي؟ أ لم يُسلط الكاتب ياسين عدنان الضوء على أمراض العاصمة؟ ولماذا لم يعترض كتابنا على بعثات الطلب من المئات بل الآلاف من مختلف الأجيال، الذين آواهم المغرب ودرسهم؟ لماذا لم يفتخروا بجامعة انواكشوط ويطالبوا الدولة بإيقاف تلك البعثات؟ لأن جامعة انواكشوط -وبمفهومهم "الوطني"- ستكفينا ونحن نفضل عسرها على يسر غيرها.
إني وبكل أسف وبغض النظر عن مقال ياسين وُجد أم لم يوجد، مضطر أن أتعامل -كقارئ- مع كتابنا الذين يُعتبر أقل موجوديْن فيهم هما الموضوعية والإنصاف. عشتم طويلا.