قبل الدخول إلى الموضوع هذه دعوة للكتاب والمحللين إلى الاهتمام والتركيز على المواضيع ذات الطابع الاقتصادي والتنموي لعل وعسى أن تسهم تحقيقاتهم تلك في تتبع أثار الثروة الوطنية المنهوبة وفك اللغز المحير لبلد غني وشعب فقير.
تزخرموريتانيا بمقدرات اقتصادية متنوعة وهائلة، من ضمنها المجال الزراعي حيث تقدر المساحات الزراعية الصالحة للإنتاج الغذائي بما يقارب 135 ألف هكتار على طول الضفة ( شمامة) الممتدة على حافة النهر من كرمسين إلى سيلبابي.
بدأ الاستغلال فيها مبكرا باستصلاح ما يناهز 2000 هكتار في كل من مزرعة أمبورية روصو وسهل بوكى، والمزرعة النموذجية بكيهدي، وهي مساحات كلها لإنتاج الأرز أساسا، ليصل العدد سنة 2012 إلى حوالي 11.000 هكتار .
تتم زراعة الأرز بموريتانيا للسنة مرتين حملة خريفية وحملة صيفية معاكسة وهي ظاهرة مناخية جيدة ونادرة، ينتج البلد حسب آخر إحصائيات 33 ألف طن من الأرز الأبيض للحملة وهو ما يعادل 56% من الحاجات الغذائية للمواطنين.
أما زراعة القمح فتبقى رهن التجربة والاختبار وإن كانت واعدة حسب المعطيات، فيما يقارب انتاج الخضروات 50 ألف طن سنويا، أما الأشجار المثمرة والفواكه فبدائية وغير مصنفة، باستثناء حقل الموز على طريق روصو- بوكى الواعد والمشجع حسب الإحصائيات الأخيرة. في حين تبقى الزراعة الفيضية ( المطرية) غير مفعلة وغير مستغلة عمليا فمردودها الإنتاج هزيل ولا تتجاوز سد الحاجيات الغذائية لممارسيها في أحسن الأحوال.
إن هذه المؤشرات والأرقام تبدوا أحيانا بعيدة كل البعد من طموحات المواطنين وتطلعاتهم ويعود ذلك بالأساس إلى تراكم السياسات المرتجلة من الأنظمة المتعاقبة، فرغم البداية المتواضعة للقطاع إلا أنها كانت بداية جادة وواعدة ومتنوعة :إنتاج الأرز، إنتاج الخضروات، إنتاج السكر، تطوير سلالات الأبقار، تصدير اللحوم ( مدرسة كيهدي) كل ذلك صغير في حجمه صحيح متواضع في مردودها لكنه مدروس واستراتيجي ويمكن اعتماده نواة حقيقية لتحقيق السيادة الغذائية و الاكتفاء الغذائي على الأمد المتوسط والبعيد.
بيد أن السياسات المختلطة نتيجة انقلابات الحكم المتسارعة جسدت بدقة تفاقم المعاناة داخل هذا القطاع، فرغم ضخ موارد مالية ضخمة،وتوزيع آلاف الهكتارات ودعم النظام للزراعة وتشجيعها في التسعينيات، إلا أن عوامل مشتركة بعضها تتحمله الدولة وأغلبها يقع اللوم فيه على المزارعين كانت وراء فشل تلك الجهود والموارد، فضعف السياسات وغياب عنصر الرقابة والمتابعة والتقييم ونقص الخبرة في الإرشادات الزراعية عوامل من بين أخرى أثرت في دور الدولة المتوقع إضافة إلى عامل عدم الجدية والقناعة لدى اغلب المزارعين الناتجة عن ثقافة المجتمع ونظرته السيئة للزراعة.
زد على ذلك أن هؤلاء المزارعين في أغلبهم من غير السكان الأصليين وبالتالي ليس لهم تاريخ مع الزراعة ولا ثقافة زراعية فليسوا مزارعين بالمعنى الحرفي ولا مستثمرين بالمعنى التجاري ليبقى هدف هؤلاء من الزراعة الحصول على مئات الهكتارات بطريقة غير شرعية ممولة بمئات الملايين والتمويه بممارسة الزراعة ليتم تحويلها لا حقا في فيلات وسيارات فاخرة وابل فقط:أنه الإثراء بلا سبب الموقوف صاحبه شرعا وقانونا في بلدى نعيشه يوميا ويعد صاحبه فينا بطلا.
أمام هذا الواقع المؤلم كان لا مفر من الوصول للحصاد المر: المليارات المنهوبة، الأراضي المرهونة،السياسات الفاشلة، ثقتنا مع الممولين مهزوزة إنه واقعنا المزعج ونظرتنا البدوية الضيقة للأشياء، فلو أحسنا استغلال تلك السياسات والأموال في سد الاكتفاء الوطني من الحبوب، لكانت نتائج ذلك عامة وملموسة، فالزراعة كما يقول علماء لاقتصاد وكل القرائن تأكد ذلك في عصر اليوم: مفصلية في تطور ورفاهية الشعوب، لكن اخترنا نحن وبإرادتنا قمة وقاعدة إهدار كل شيء، لتبقى أسواقنا مفتوحة ومحتاجة إلى نفايات المغرب والسنغال الزراعية وبأسعار غالية{التبعية الاقتصادية الغير مبررة}.إنها فضيحة القرض الزراعي التاريخية التي لا زال لهيبها من تحت رماد الركام، مزارعون مدينون يبحثون كل حسب روايته عن حل ومخرج، يحتج بعضهم وقد يكون محقا في ذلك بالخسارة والآفات الزراعية الكثيرة وهو كلام من حيث المبدأ نتفهمه من البعض لكنه حق ينتهزه آخرون لم يزرعوا حتى يحصدوا، لم يحاولوا، حتى يفشلوا.
على كل مؤسسة القرض الزراعي كما تقول الجهات الوصية فاشلة ويجب استبدالها أو تحديثها، وقبل ذلك يجب إيجاد تسوية لوضعية هؤلاء بإنصاف وعدالة ليس على حساب المال العام وحقوق الضعفاء والأجيال القادمة من أبناء هذا الشعب المسكين المغلوب على أمره فلا تصالحوا على حساب المال العام أو قفوا عدالة عفي الله عما سلف الظالمة، أنصفو من تضرر حقا وزرع حقا، ولا تمهلوا من أفسد الحرث والنسل.