منهج الحكم الإسلامي بين تحديات العصر و معيقات الإفتاء / المصطفى ولد إدوم

 المصطفى ولد إدوم لقد عشنا تضاربا شديدا في الإفتاء و الفتوى عقب التغيير العنيف الذي أطاح بالدكتور مرسي ، أول رئيس مدني لبلاد كنانة ، مصر الشقيقة . و قد تمخض عن ذلك مشهد سيايسي جد معقد بحيث أربك المتصدرين للفتوى ، المهتمين بالشأن المصري . و كان أول هؤلاء د / أحمد الطيب، شيخ جامع الأزهر حيث انطلق في أول بيان له من قاعدة " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " و قاعدة " ارتكاب أخف الضررين".

كما صدر بذلك بيانه المؤيد للتغيير الذي كان جناحه العسكري اللواء السيسي، ثم تلاه تصريح من مرشد الإخوان المسلمين محمد بديع حيث قال " الإنقلاب باطل ، و بيان شيخ الأزهر باطل ، الح .. " ثم تلا ذلك تصريح من د / الشيخ يوسف القرضاوي في الجزيرة حيث استشهد بحديث خلط فيه حديث عرفجة بحديث ابن عمرو . ثم تلا ذلك فتاوى ممن وصفهم الشيخ القرضاوي بالهواة حيث أكدوا فيها بأن المناهضين لما يسميه الإخوان المسلمون بالإنقلاب الخارجين عليه ، المطالبين بالشرعية ، أنهم من الخوارج ، فأحلوا سفك دمائهم .

فرد عليهم د / يوسف القرضاوي ردا شديدا عنيفا صرح فيه أن الخارج الحقيقي على الشرعية و على السلطة هو السيسي و أعوانه في برنامج " الشريعة و الحياة " من قناة الجزيرة . فجاء هذا المثال ليؤكد ما بدأنا به هذا الفصل . و لما كان كل طرف متمسكا بجزء من الحقيقة ، أردنا أن نبدأ بهذه الحالة بحثنا هذا لنعطي لكتابنا نكهة خاصة تشد الباحث و تدفع به إلى البحث عن الحقيقة الشرعية و أدلتها .

و للتشويق ، نقول بأنه قد ورد في المسألة حديثان صحيحان صريحان أشار إليهما الشيخ القرضاوي في أول الأمر بصيغة ما يسميه أهل صنعة الحديث" تداخل حديث في حديث " ، و هذان الحديثان هما : 1 / الحديث الأول : عن عرفجة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ستكون هنات و هنات ـ و رفع صوته ـ ألا و من خرج على أمتي و هم جميع ، فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان " أخرجه مسلم في باب : حكم من فرق أمر المسلمين من كتاب الإمارة ، و أبو داود في السنن باب قتل الخوارج ، و أحمد في المسند .

2 / الحديث الثاني : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر ، فنزلنا منزلا ، فمنا من يصلح خباءه ، و منا من ينتضل ، و منا من هو في جشره ، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم : الصلاة جامعة ، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال : " إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ، و ينذرهم شر ما يعلمه لهم ، و إن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها ، و سيصيب آخرها بلاء و أمور تنكرونها ، و تجيئ فتن يرقق بعضها بعضا ، و تجيئ الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ، ثم تنكشف ، و تجيئ الفتنة ، فيقول المؤمن : هذه ، هذه ، فمن أحب أن يزحزح عن النار ، و يدخل الجنة ، فلتأته منيته و هو يؤمن بالله و اليوم الآخر ، و ليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ، و من بايع إماما فأعطاه صفقة يده ، و ثمرة قلبه ، فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه ، فاضربوا عنق الآخر " رواه مسلم في باب : وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء من كتاب الإمارة ، و أبو داود في باب : ذكر الفتن من كتاب الفتن ، و النسائي في باب : ما على من بايع الإمام ، من كتاب البيعة ، و ابن ماجه في باب : ما يكون من الفتن ، من كتاب الفتن و أحمد و قبل الخوض في هذه الأقوال لإظهار مكانتها من الصواب الشرعي الفقهي، نرى من الضروري تقديم المشهد المصري و لو في عجالة ، لأن الحكم على الشيء جزء تصوره ، فنقول و بالله التوفيق :

لقد انطلقت فئات كثيرة من جميع الأطياف و الفئات و الأعمار من الشعب المصري يوم 25 يناير 2011 م تطالب بالإصلاح قبيل مطالبتها برحيل نظام محمد حسني مبارك ، و إنه من الغباء أن يظن ظان أنه ما كان لمحمد حسني مبارك أن يتخلى عن السلطة إلا إثر ضغط من الجيش المصري ، فالذي حمل حسني مبارك عن تخليه عن السلطة هو و عمرو سليمان هو الجيش المصري برئاسة المشير الطنطاوي وزير الدفاع و قائد الأركان العامة ، و لذلك تولى رئاسة المرحلة الانتقالية ، و لولاه لما وصل الإسلاميون إلى سدة السلطة بالرغم من شعبيتهم ، و قد قاد ما يسمى بفلول النظام حملات تذمر ضد المشير الطنطاوي بسبب نهجه العادل . و بعد نجاح التيارات الإسلامية الكاسح في الإنتخابات البلدية و التشريعية كان ينبغي لهذه التيارات التريث لما تطلبه الدربة و الارتياض في تسيير شؤون الدولة . فلو قدموا أقل التيارات العلمانية خبثا و استعطفوه ليهيئ لهم الظروف بالقيام بإصلاحات على مستوى جهاز الأمن و الجيش و جهاز القضاء حيث ظلت هذه الأجهزة تكن العداء للإسلاميين منذ حوالي ثمانية عقود لكان ذلك أنجع و أقرب للحكمة و قد نصحهم بذلك إخوانهم في تونس لكنهم لم ينتبهوا و أصروا على الوصول إلى سدة السلطة و رئاسة دولة عرفت بضبابية أجهزتها الأمنية و كراهيتها للإخوان ، و قد سلم لهم المشير الطنطاوي سدة السلطة على مائدة من ورود المحبة بعد نجاحهم في الشوط الثاني ، فكانت هذه يد له عليهم لكنهم لم يعوا ثمن هذه اليد بيد أنه كان من الحكمة أن يتمثلوا بقول السابق :

سأشكر عمرا ما تراخت منيتي ** أيادي لم تمنن و إن هي زلت

بل سارع د / مرسي إلى حل المجلس العسكري و أحال المشير الطنطاوي إلى التقاعد في نشوة من الاعتزاز بالذات و بالصلاحيات ، و لم يدرك أنه بهذا القرار الشجاع التاريخي حكم على نفسه بالفشل المحتوم و على حكمه بالزوال المسموم ، بل و لم يع أن تعيينه للسيسي كان حفرا لقبر نظام مرسي ، فلم يبحث عن تاريخ و أصول المشير المحال إلى التقاعد و لا عن اللواء الذي سلم له سلطة الجيش ، كما أن مرسي لم يعط قيمة لنجاحه في الشوط الثاني بسبب تكتلات ليبرالية فضلته على فلول نظام مبارك و كانوا يمثلون حوالي ثلثي الكتلة التي انتخبته ، فكانت هذه أياد أخرى تقدمت بها أيد كانت تحتاج للمكافأة إلا أننا لاحظنا نهجا جديدا حاول أن ينفرد بريادة التسيير بحيث لم يقدم للمتحالفين معه في الشوط الثاني سوى قشور نظامه و حينئذ بدأ التيار الجارف يحفر قبر نظام مرسي ، و بدأ التيار المعاكس يسمم الوضع بشيطنة الإخوان و ادعاء أخونة الدولة المصرية . و قد استعمل جميع الوسائل المتاحة الهادفة إلى عزل نظام الإخوان في الداخل و الخارج و جعله ينحصر في خانة أو زاوية ضيقة بعد تحرير الدستور الجديد و خاصة بعد الإعلان الدستوري و تحسين العلاقات مع النظام الصفوي الفارسي ، عندئذ بدأت دول الخليج و كذلك دول الغرب تراقب هيمنة الإخوان على كل شيء سوى أجهزة الأمن و الجيش و القضاء علما بأنها أساس كل شيء في السلطة . و بدأ التيار المعاكس المتآمر مع هذه الأجهزة و مع الغرب يشن حملات الكراهية ضد الإخوان و الأخونة و شيطنة الجميع . فلم يستطع الإخوان الصمود أمام هذه الجبهات سوى عدة أشهر حيث قام فلول نظام مبارك الذين يمثلون أصلا حوالي 48 % بالتحالف مع أعدائهم بالأمس من الليبراليين بحملات استخدمتها أجهزة الأمن و الجيش و القضاء للإطاحة بمرسي مدعية أن الجيش انطلق من نفس المنطق الذي أطاح باللواء الطيار محمد حسني مبارك . بينما ظل الإخوان و حلفاؤهم متمسكين بالاستحقاقات الأربعة التي نجحوا فيها لكن الخصم يعتبر ذلك بكاء على الأطلال .

فكان لكل طرف فقهاؤه ، و من أهم فقهاء الحاكم الجديد المتنفذ المتسلط د / أحمد الطيب ، شيخ الأزهر ثم عناصر أخرى دونه في العلم ادعت بأن الجماعة التي لم تذعن لحكم الحاكم المتغلب الجديد من الخوارج يفعل بها ما يفعل بالبغاة الخوارج ، و من هؤلاء : الشيخ علي جمعة المفتي الأسبق، و عمرو خالد ، و د / سالم عبد الجليل الذي تبرأ من تنزيل الفتيا في المعتصمين برابعة و النهضة ، بينما نجد من المدافعين عن نظام مرسي د / يوسف القرضاوي رئيس رابطة علماء المسلمين ، و هي رابطة مستقلة عن الأنظمة مقربة من الإخوان المسلمين ، و قد تطرقت كتب الفقه للطاعة لولي الأمر ، و لما كنا قد تطرقنا لهذه الطاعة في كتابنا " الإشعاع و الإقناع بمسائل الإجماع " ، و في كتابنا " فتح الرب الساتر لتمييز الحديث المتواتر " و في كتابنا " موقف الشرع القويم المتين من ظاهرة تكفير حكام المسلمين و الربيع العربي الرزين " و في كتابنا " العقيدة الصحيحة من حديث : الدين النصيحة " فإننا سنكتفي بتقديم زبدة ما تناولناه في هذه الكتب على ما سمعناه أو قرأناه ، فنقول : نقل ابن القطان الفاسي عن الرسالة ، قال : " و أجمعوا أن السمع و الطاعة واجبة لأئمة المسلمين ، و أجمعوا على من ولي شيئا من أمورهم عن رضى أو غلبة و اشتدت وطأته من بر و فاجر لا يلزمهم الخروج عليهم بالسيف جاروا أو عدلوا " و نقل عن الوصول قال : " و أجمع المسلمون من أهل السنة على أن من ولي من أمور المسلمين على رضى منهم أو غلبة فاشتدت وطأته كان عدلا أو فاجرا لا يلزمهم الخروج عليهم " و قد أصلنا هذه الإجماعات قائلين :

قال تعالى { و أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله } و من الحديث : فأقول إن الصحابة رضوان الله عليهم أفضل منا بكثير، وكذلك التابعين وتابعي التابعين، نسأل الله أن يحشرنا مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وهم يقينا من هؤلاء أو أكثر حظا من أن يكونوا من هؤلاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» وفي رواية «خير القرون قرني الذي بعثت فيه ثم الذين يلونه، ثم الذين يلونه» الحديث متواتر، وقد بينت في كتابي "الاشعاع والاقناع بمسائل الإجماع" ما جاء من الإجماع في ذلك، ومنه: نقل الحافظ ابن القطان الفاسي عن نوادر الإجماع أنه قال: «أجمعوا أن السمع والطاعة واجبة لأئمة المسلمين وأجمعوا على أن كل من ولي شيئا من أمورهم عن رضى أوغلبة واشتدت وطأته من بر وفاجر لا يلزمهم الخروج عليهم بالسيف جاروا أو عدلوا، وأجمعوا على أن يجيرهم العدو ويحج معهم البيت وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها وتصلى معهم الجمع والأعياد» ونقل ابن القطان القاسي أيضا عن الوصول: «وأجمع المسلمون من أهل السنة على أن من ولي أمور المؤمنين على رضى منهم أو غلبة فاشتدت وطأته كان عدلا أو فاجرا لا يلزمهم الخروج عليه».

وأصلنا هذه الإجماعات قائلين: قال جل وعلا: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ» [النساء 59].

وأخرج أبو داود والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والخطيب البغدادي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني» وأخرجه الطيالسي وأحمد والخطيب البغدادي والبخاري والبغوي عن أنس رضي الله عنه؛ وفي رواية أخرى لمسلم وابن ماجه والطيالسي والبغوي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: «إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف» وعند الأول: «ولو حبشيا كأن رأسه زبيبة» وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد والبغوي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».

وأخرج أحمد والدارمي والبخاري ومسلم والطبراني في "الكبير" والبيهقي والبغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات، فميتته جاهلية».

وأخرج البخاري ومسلم وابن ماجه والبيهقي والبغوي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ فقال: نعم، قلت هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «نعم وفيه دخن»، قلت وما دخنه؟ قال: «قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر»، قلت هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم [إليها] قذفوه فيها» فقلت يا رسول الله صفهم لنا، قال: «نعم، قوم من جلدتنا يتكلمون بألسنتنا» [قلت فما العمل؟ قال: فالزم جماعة المسلمين وإمامهم] قلت: فإن لم يكن [لهم جماعة] ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» وقد أخرجنا في كتابنا: "فتح الرب الساتر لمتمييز الحديث المتواتر" فيما يخص بوجوب طاعة من ولاه الله أمر المسلمين الحديث المتواتر التالي، قلنا: 138: أحاديث الأمر بالطاعة للأئمة والنهي عن الخروج عليهم، تفرد بها الحافظ أبو جعفر الكتاني في كتابه: "نظم المتناثر في الحديث المتواتر" من دون دليل ولا تخريج، واكتفى بقوله: «ذكر أبو الطيب القنوجي في تأليف سماه "العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة" أنها متواترة ونصه: «طاعة الأئمة واجبة إلا في معصية الله باتفاق السلف الصالح لنصوص الكتاب العزيز والأحاديث المتواترة في وجوب طاعة الأئمة وهي كثيرة جدا ولا يجوز الخروج على طاعتهم بعدما حصل الاتفاق عليهم ما أقاموا الصلاة ولم يظهروا كفرا بواحا» إلى غير ذلك من الاستشهاد بنصوص القنوجي، قلت وقد تقدمت مسائل الإجماع في الباب التي ذكرها الحافظ ابن القطان الفاسي المتوفى سنة 628 هـ في سجلماسه في كتابه "الاقناع في الإجماع" وقد خرجناها في كتابنا "الإشعاع والإقناع بمسائل الإجماع" وأصلنا هذه الإجماعات هناك وكذلك في كتابنا "فتح الرب الساتر لتمييز الحديث المتواتر" كما يلي رواها:

1. العرباض بن سارية رضي الله عنه وفيه: «عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي» أخرجه أبو داود والترمذي. 2. معاذ بن جبل رضي الله عنه وفيه «فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام وأنفق الكريمة واجتنب الفساد فإن نومه ونبهته أجر» أخرجه ابن حبان. 3. أبو هريرة رضي الله عنه وفيه: «آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تطيعوا من ولاه الله عليكم أمركم» أخرجه ابن حبان. 4. زيد بن ثابت وفيه: «ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبدا: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة» أخرجه ابن حبان وابن عبد البر. 5. ابن مسعود: أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" 6. أنس: ابن عبد البر وفي لفظ للبخاري وابن ماجه «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» وقد تقدم نصه كاملا. 7. أبو موسى الأشعري: ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" 8. أبو بكرة الثقفي: أخرجه أبو داود الطيالسي والإمام أحمد في مسنديهما. 9. سليم بن عامر رضي الله عنه وفيه: «اتقوا الله ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم» أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم . 10. أبو أمامة باللفظ الذي قبله: أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم. 11. وائل بن حجر بلفظ: «اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليكم ما حملوا وعليهم ما حملتم» رواه مسلم والترمذي. 12. ابن عمر رضي الله عنهما: وقد تقدم لفظه: أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبغوي. 13. ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه أحمد والبخاري ومسلم والدارمي والطبراني في "الكبير" والبيهقي والبغوي وقد تقدم نصه كاملا. 1. حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه والبيهقي والبغوي وقد تقدم نصه كاملا، فتبين تواتر الحديث إلا أن تواتره معنوي لا لفظي 2. عبادة بن الصامت رضي الله عنه : متفق عليه

إلا أنه لما كان تأصيلا لإجماعات تكاد تكون متيقنة فإنها تبين وجوب الطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين وذلك لأن يوما من جور السلطان أفضل من سنة بلا سلطان، ولا أمير، وإن الدول التي عرفت فتنا تمثلت في خروج جماعات على ذوي الأمر لتشهد على هذه المسلمة. فكم من دم سفك في بعض الدول المسلمة بغير حق لذلك نجد ابن قدامة المقدسي يقدم لنا في كتابه " المغتي " شرح مختصر الخرقي الذي قال عنه أبو المقاصد عز الدين بن عبد السلام : لم تطب نفسي للفتوى حتى حصلت على نسخة من المغني لابن قدامة " في المجلد 12 المسألة 1532 : قال أبو القاسم : " و إذا اتفق المسلمون على إمام ، فمن خرج عليه من المسلمين يطلب موضعه حوربوا ، و دفعوا بأسهل ما يندفعون به " فعلق ابن قدامة على الخرقي قائلا : " و جملة الأمر أن من اتفق المسلمون على إمامته و بيعته ، ثبتت إمامته ، و وجبت معونته ، لما ذكرنا من الحديث و الإجماع ، و في معناه ، من ثبتت إمامته بعهد النبي صلى الله عليه و سلم أو بعهد إمام قبله إليه ، فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة على بيعته ، و عمر ثبتت إمامته بعهد أبي بكر إليه ، و أجمع الصحابة على قبوله ، و لو خرج رجل على الإمام فقهره ، و غلب الناس بسيفه حتى أقروا له ، و أذعنوا بطاعته ، و بايعوه ، صار إماما يحرم قتاله ، و الخروج عليه ، فإن عبد الملك بن مروان خرج على ابن الزبير، فقتله و استولى على البلاد و أهلها ، حتى بايعوه طوعا و كرها ، فصار إماما يحرم الخروج عليه ، و ذلك لما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين ، و إراقة دمائهم ، و ذهاب أموالهم ، و يدخل الخارج عليهم في عموم قوله عليه السلام : " من خرج على أمتي و هم جميع ، فاضربوا عنقه بالسيف ، كائنا من كان " فمن خرج على من ثبتت إمامته بأحد هذه الوجوه باغيا ، وجب قتاله ، و لا يجوز قتالهم حتى يبعث إليهم من يسألهم ، و يكشف لهم الصواب ، إلا أن يخاف كلبهم ، فلا يمكن ذلك في حقهم ، فأما إن أمكن تعريفهم ، عرفهم ذلك ، و أزال ما يكرهونه من المظالم ، و أزاح حججهم ، فإن لجوا ، قاتلهم حينئذ ، لأن الله تعالى بدأ بالأمر بالإصلاح قبل القتال ، فقال سبحانه { و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله } [ الحجرات : 9 ] " قلت و قال ابن عاصم في مرتقى الوصول إلى علم الأصول : مقاصد الشرع ثلاث تعتبر ** و أصلها ما بالضرورة اشتهر ** و اتفقت في شأنها الشرائع ** إن كان أصلا و سواه تابع ** و هو الذي برأيه استقرا ** صلاح دنيا و صلاح أخرى ** و ذاك حفظ الدين ثم العقل ** و النفس و المال معا و النسل ** من جهة الوجود و الثبات ** كالأكل و النكاح و الصلاة ** و تارة بالدرء للمفاسد ** كالحد و القصاص و الجهاد ** و بعده الحاجي و هو ما افتقر ** له المكلف بأمر معتبر ** من جهة التوسيع فيما ينتهج ** أو رفع تضييق مؤد للحرج ** و ثالث قسم المحسنات ** ما كان من مسائل العادات ** و في الضروري و في الحاجي ** ما هو من تتمة الأصلي ** كالحد في شرب قليل المسكر ** و كاعتبار كفء ذات الصغر ** و كلها قواعد كليه ** مقاصد الشرع بها مرعيه **

و هكذا يمكننا استنتاج ما يلي انطلاقا مما تقدم من النصوص : 1 / أن الفتاوى المقدمة من الطرفين كانت تؤلب على العنف و سفك الدماء و قتل النفوس المسلمة الزكية التي حرم الله قتلها إلا بالحق ، و إذا كان حديث : " من شارك في قتل مسلم و لو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوببين عينيه : آيس من رحمة الله " واهيا أو موضوعا ـ كما بين ذلك ابن الجوزي في الموضوعات ـ فقد وردت أحاديث في الباب كثيرة تحرم سفك الدماء ، منها قوله صلى الله عليه و سلم : " لزوال الدنيا أهون على الله من سفك دم امرئ مسلم "

و قوله صلى الله عليه و سلم : " ألا إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام في يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم ، قال : اللهم اشهد ، لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " الحديث و قد بينا تواتره لأنه متفق عليه من رواية خمسة من الصحابة و قد رواه 11 من الصحابة بأسانيد كلها صحيحة ، فالحكم على المعتصمين في رابعة و في النهضة بأنهم من الخوارج البغاة و إباحة إراقة دمائهم تحت أي ذريعة من أكبر الكبائر و جريمة من أجرم الجرائم و ذلك انطلاقا من المنظور الشرعي . كما أن استخفاف الطرف المدافع عن المعتصمين بتهديدات الحاكم المتغلب المتسلط فيه ما فيه من التقصير و عدم الإلمام بحيثيات المشهد علما بأن الحكم على الشيء جزء تصوره ، و من استخف بالحاكم المتغلب المتسلط قد يدفع إلى مخالفة تعاليم المعصوم صلى الله عليه و سلم عندما قال : " لا ينبغي للمرء أن يذل نفسه ، قالوا : و كيف يذل نفسه ، قال : أن يعرضها ما لا يطيق " أحرى أن يعرضها للقتل و سفك دمها .

2 / أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، و أن الضروري مقدم على الحاجي و هما مقدمان على التحسيني ، و لذلك قال القرافي في التنقيح : " فكما أن وسيلة المحرم محرمة ، فكذلك وسيلة الواجب واجبة كالسعي إلى الجمعة و الحج ، و موارد الأحكام على قسمين : مقاصد و هي المنظمة للمصالح و للمفاسد في نفسها ، و وسائل و هي المفضية إليها و حكمها حكم ما أفضت إليه من تحليل و تحريم " .

3 / أن مآلات فتاوى الطرفين قد آلت إلى سفك الدماء الزكية لآلاف المسلمين القانتين و شجعت قيام فوضى عارمة حيث اختلط الحابل بالنابل ، و قد قال الشاطبي في الموافقات : " النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعا ...." فتبين أن الأحكام الشرعية المستمدة من أدلتها التفصيلية تضبط الحق أو المصلحة تجريدا ، فلا يراعى في استنباط الحكم الشرعي من أدلته الأصولية لا الحاكم المتغلب الذي يسعى الطرف الموالي له نفعه و الإضرار بخصمه ، و لا الفريق الآخر ، بل ينبغي أن يبحث المفتي عن رضى الخالق القاهر فوق عباده لا إله إلا هو العلي العظيم لأنه موقع عن الله سبحانه و تعالى ، مبلغ لحكمه ، قال ابن قيم الجوزية في أعلام الموقعين : " المفتي هو المخبر عن الله ، غير منفذ " و قال الشاطبي : " المفتي هو القائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه و سلم "، و قال الإمام مالك بن أنس : " من أجاب عن مسألة فينبغي من قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة و النار ، و كيف يكون خلاصه في الآخرة ؟ ثم يجيب فيها " و هذا ما فقدناه في الفتاوى الصادرة في هذا المشهد المصري .

4 / و لما كان الطرفان المتصديان للفتيا قد أهملا هذه الضوابط و المعايير تغليبا للعواطف و الشعارات ـ علما بأن لكل مسلم أبعاد ثلاثة هي : الشعور ، و الشعار ، و الشرع ، و أن أساس الأبعاد الثلاثة هو الشرع القويم ، لأنه المنطلق الذي ينبغي له أن ينطلق منه و يرجع إليه في تحديد شعوره و شعاراته حتى تظل مضبوطه بالحكم الشرعي ـ أردنا أن نبين من خلال ما تقدم أنه بعد حادثة الحرس الجمهوري تأكد الجميع أن المشهد المصري عبارة عن قسر حاكم متغلب يسعى إلى بسط نفوذه و هيمنته بالسيف أو بالذخيرة الحية ، و قد تقدم أن عبد الملك بن مروان قد قتل الحاكم ابن الزبير و بسط نفوذه و قهر الناس بالسيف على البيعة ، فإن الحاكم المتغلب في مصر اليوم قد اكتفى بإخفاء الرئيس المنتخب مرسي بذريعة أنه إنما أراد بذلك أن يجنب مصر الفتنة و أنه قد طلب منه ذلك التدخل أكثرية الشعب المصري ، فكان الأجدر في نظري و الأقرب إلى الشرع هو القيام بمصالحة وطنية شاملة للجميع انطلاقا من قوله تعالى { و الصلح خير } و لقوله تعالى { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس } فكان ينبغي لمفتي الطرفين أن يدعوا جميعا إلى الصلح خاصة بعد حادثة الحرس الجمهوري ليجنبوا العباد و البلاد الخراب و الفساد و جميع أنواع العنف و الجهاد .

5 / و أخيرا لقد بلغ السيل الزبا مع اتخاذ قرار تحريم جمعية الإخوان المسلمين و كل الجمعيات التي لها علاقة بهم و كذلك مصادرة أموالهم ، فإننا نرى أن هذا القرار يجعل للصبر حدود و يعرض بلاد كنانة لما لا تشتهيه السفن بينما الحكمة تقتضي اتخاذ القرارات التي تساعد على السلم الأهلي و الاستقرار و ذلك لأن المال شقيق النفس كما يقولون فاتخاذ قرار حرمان الناس من أموالهم مع اعتقال قيادة الإخوان و حكمائهم قد يؤدي ذلك كله إلى ما لا تحمد عقباه جنب الله مصر و جميع بلاد المسلمين الفتن ما ظهر منها و ما بطن .

تنبيه : هذه فقرات من كتابنا " المجالس العليا للفتوى و أثرها على الفتوى " أو منهج الحكم الإسلامي بين تحديات و معيقات الإفتاء".

28. سبتمبر 2013 - 9:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا