تنطلق اليوم الأحد بانواكشوط جلسات الطبعة الثانية من الحوار الوطني (نسخة المنسقية- الأغلبية) وقد سبق هذا الحوار سجال طويل، وأخذ، ورد، ما جعل البعض يصفه بحوار في الوقت بدل الضائع، أو هو حوار لحفظ ماء وجه المنسقية، أو لنقل لتبرير مشاركتها مجتمعة، أو بعض أحزابها في الانتخابات الوشيكة.
لقد ظلت منسقية المعارضة ترفض الحوار مع النظام، وترفع شعار "الرحيل" كمطلب لا تفاوض حوله، وظل النظام يدعوها لهذا الحوار، وفي الوقت نفسه يمضي قدما في الأجندة الانتخابية، وبعد أن تيقنت المنسقية أن الانتخابات قادمة لا محالة جنحت أخيرا للحوار، وطالبت به.
بيد أن أي حوار سياسي لابد أن يكون له هدف، أو أهداف، وجدول زمني، وإجراءات شكلية ابروتوكولية، والغريب في الأمر أن كل هذه المسائل هي محل خلاف بين النظام، والمنسقية، فبخصوص أهداف الحوار تريده المنسقية مدخلا لتأجيل جديد للانتخابات، وفرصة لتقديم النظام لتنازلات مهة في قضايا جوهرية، حتى تتمكن المنسقية من التحضير الجيد لهذ الانتخابات.
أما النظام، أو الأغلبية فترسم أهدافا لهذا الحوار تتمثل – حسب المراقبين- في الظهور بمظهر من لا يقصي أحدا، ومبدأ جلوس المنسقية معه على مائدة واحدة، قد يعتبره هدفا في حد ذاته، كما قد يسعى النظام من هذا الحوار إلى تقديم تنازلات ليست جوهرية، تجعل بعض أحزاب المنسقية تقدمها لجمهورها كتنازل مهم انتزعته من النظام، وبرر مشاركتها في الانتخابات، رغم أن تلك المشاركة حسمت مسبقا، بغض النظر عن نتائج الحوار مع النظام.
مبدأ تأجيل الانتخابات مرفوض، كما يؤكد وزراء الحكومة في جولاتهم في الداخل، وتشكيل حكومة وحدة وطنية أيضا مرفوض، ومتجاوز، وما سوى ذلك فيه نظر، فما الذي ستحققه المنسقية من مكاسب من هذا الحوار؟؟ والسؤال الأهم هو ألم يكن بإمكان المنسقية أن تنتزع من النظام تنازلات أكبر لو أنها شاركت في الحوار الوطني السابق، أو قبلت بمحاورته لاحقا، قبل سنة، من الانتخابات؟؟ ألا يشكل الوقت عامل ضغط على المنسقية أكثر من النظام؟؟ وما الذي استجد من تطورات حتى تقبل المنسقية بالحوار مع النظام، بعد أن ظلت ترفضه طوال هذا الوقت؟؟
أسئلة كثيرة يطرحها الشارع السياسي، وخصوصا جمهور المنسقية، ويلاحظ البعض ارتباكا واضحا في تعاطي المنسقية مع الشأن السياسي، وتحول، ومرونة ، وتدحرج في الأهداف، من "الرحيل العزيز" إلى حوار مع النظام "بشروط" إلى القبول بحوار "بدون شرط أو قيد" وأخيرا إلى حوار ربما "بشروط النظام"!!!
هكذا تبدو حصيلة نضال المنسقية خلال السنوات الماضية، فبعد أن كانت ترفض مجرد الحديث مع النظام، وتجزم بأن رحيله مسألة وقت، أصبحت تفاوضه على تمديد مدة الحوار، وتشكيلة الوفد المحاور، وأمور شكلية من هذا القبيل. هو إذا نجاح سياسي باهر يحسب للنظام الذي أدار الأزمة السياسية "بحنكة" أذهلت المراقبين، والمعارضين، ونجح في احتواء معارضيه بأسلوب لا عنف فيه، ولا اعتقال، ما جعل المنسقية تعيش نزيفا جماهيريا أدى إلى تآكل قاعدتها الشعبية، وانسحاب بعض أهم رموزها، حتى بات مطلب الحفاظ على كيان المنسقية موحدا هدفا أهم ، وأصعب من رحيل النظام.
وسواء شاركت المنسقية أو قاطعت الانتخابات فإن النظام يبدو في طريقه إلى ترجمة أدائه السياسي الناجح إلى نتائج مهمة، تضمن له أغلبية مريحة في البرلمان، والمجالس البلدية في الانتخابات الوشيكة، وربما هذه الثقة التي يتمتع بها النظام هي التي تجعله حريصا على مشاركة الجميع في الانتخابات، حتى تظهر الأحجام الحقيقية لكل الأحزاب، ومثل المنسقية، والنظام في ذلك مثل من يملك سلاحا مدمرا فتاكا، وتدرب جيدا على استخدامه، فما الذي يجعله يخاف من منازلة من يملك سلاحا بدائيا متهالكا، لا يحسن استخدامه ؟؟!!