ألا أيتها المناضلة المسافرة في رحلة عبر التاريخ تختزلين دخان المسافات بين محيطي الأطلس والهند.. لاله بنت عبد العزيز .. يا أيتها الصابرة المتحدية نكبات الزمن يالتي تشد رحلها هذه الأيام حنينا إلى زيارة ابن أخ يعيش تحت
رحمة المرض غريب أوطان هنالك يقلب عينيه ذات اليمين وذات الشمال فلا يرى إلا هنديا حياته بالنسبة إليه أرخص من حياة البقر الآلهة.. لقد فرق بينه وبين أبيه اثنتي عشر سنة ولا يدري أيهما أدهى الأوجاع أم بعد الوالد من الديار..
ايتها المسافرة عبر زمن بالكاد يموت فيه الشرفاء ويترك الضحية لغبار النسيان إلى أبد الآبدين، زمن تنهش فيه الوحوش لحوم الأخيار نهشا ولا يسود غير أشرار الناس، أنت تشدين رحلك بزاد نصفه أمل على عودة أحد البراعم متماثلا للشفاء في حضن والده، ونصفه الثاني ألم عائلة تؤرّقها نكبات الزمن و سنين من التجاهل وانتظار الابن المعذب في غياهيب اغوانتانامو وزنازينها الصدئة..
سوف تعبرين قارات الدنيا وتقطعين الصحاري والبحار، سوف يمتد طريقك من المنكب البرزخي على ضفاف أطلسي انواكشوط إلى منكب الأرض الشرقي في شبه القارة الهندية، سوف يعترضك طريق طويل ومتعرج ومليء بالأتعاب والسهر، سوف تقابلين ملايين البشر بمختلف الألوان والأديان والألسن بعيدا عن دينك الحنيف ولسانك العربي المبين.. ولكنك أخيرا سوف تتنفسين الصعداء قليلا وتجدين قسطا من الراحة وإن كان ضئيلا ، عندما تحطين رحلك هنالك, و ترين ابن شقيقك أحمد يصارع المرض في أحد المستشفيات الهندية، سوف تعيشين لحظات من الدموع تحكي قصة ابن لم تكتحل عيناه بوالده منذ أن رأى نور الدنيا إلى اليوم، وإن احتضنته وقبّلته سوف تشمين فيه رائحة شقيق غيبه عنك خونة هذا الزمان وفرق بينكما أكثر من عشر سنين، سوف ترين في قسمات وجه ذلك الطفل المريض ملامح طفولتك وطفولة احمد، سوف تتذكرين أياما خوالي من البراءة ما كنت تعلمين أن الدنيا تخبئ لكم ليالي حالكة مثل هذه هذه الليالي، ولكنه الزمان يجري بسرعة دوران الأرض التي تدور كل يوم فابشري بأن دورتها القادمة ستأتي على يوم يبزغ فجره بعد هذا الزمان الحالك..
أما رسالتي لهذا الطفل فهي أن تبلغيه سلامي أولا وأن تحملي حروفا قليلة أمانة فيك حتى تسلميها له ويقرأها بتمعن، وقد كتبتها على عجل بخط معوج ومتقطع يفكر صاحبه في مأساة لا يملك حلها ولا حول له ولا قوة ولكنه أصر على كتابة هذه الأحرف:
"إلى طفل لم ينصفه الزمان وأهله فهو يصارع المرض في أدغال الهند إلى أن يرى قلوبا رحيمة في هذه الدنيا تخفف من معاناته.. أما بعد..
لا تبتئس فلا بد لهذا الليل المدلهم أن ينجلي ويذهب غير مأسوف عليه، ولا بد لذلك القيد أن ينكسر ويتحرر صاحبه المغيب عنك ردحا من الزمن.. و لا تحزن فقد قضى الله أن بعد العسر يسرا وأن أشد ساعات حلكة الليلة هي التي تسبق الفجر.. سوف ينبلج فجر جديد من هذا الكون المظلم.. فابشر يا أيها الطفل المفرق بينه وبين والده سنوات من الضياع يحسبها الأعداء نقمة وما هي إلا بشارة باقتراب يوم اللقاء.. أعلمُ أنك لم تلتق بوالدك ولو مرة يحدثك عن قصة النبي يعقوب وولده يوسف، ولكنها باختصار شديد قصة مأساة قضت عدة عقود وعاد بعدها الابن يوسف ملكا بعد أن كان طفلا فغلاما من خدام القصر فاسيرا وراء القضبان.. وكأني بك تقص علينا القصص بعد حين عندما يخرج الوالد من سجن اغوانتانامو وتتنفس معه الصعداء على هضاب آدرار وسهول شمامه، كأني بك تحدثني عن مأساة المرض في الهند والوالد يتحدث عن ذكريات اغوانتنامو المريرة..
لا تبتئس يا محمد ففي هذه الأرض أقوام في قلوبهم بقية مروءة أقسموا أن يتضامنوا معك ومع والدك حتى تنتهي هذه الأزمة وتدخل في خبر كان.. وإلى لقاء قريب معك ومع والدك أحمد على هذه الربوع...
مواطن موريتاني يؤرقه وضعك الصحي ووضع والدك الأسير في اغوانتنامو...."