يعيش التعليم في بلادنا ومنذ وقت بعيد تخبطا كبيرا في المشاريع المتسمة بقصر النظر , وضبابية الرؤية حول المشاكل الحقيقية لواقع التعليم , إذ لا يساورني أدنى شك أن مشكلات التنمية و التسيير و التخطيط و البحث والتفكير , إلى جانب معيقات
الحركية التفاضلية السليمة التي لا تجعل الولاء للخبرة والتناسب والإقتدار هي التي غالبا ما تقصي المنتج لصالح المعطل , وترتقي بالمدفوع على حساب المستحق , وتوكل الامر لغير أهله , وتسلب المثقف ثقافته وترمي به على أبواب التسكع الفكري بحثا عن لقمة العيش على حساب علمه وثقافته لتجعل منه خُفًا لولي نعمة لا يدري مدى جدارته ولا قوة عقله.
كل هذه العوامل لا شك أنها تعود إلى غياب التربية السليمة التي هي المصدر الاساسي للتغلب على جميع هذه المشاكل والمعيقات , فبالتربية السليمة الصحيحة المبنية على شرف المهنة , المشفوع بالإقتدار والجدارة والتضحية , هي وحدها التي يمكن ان تصنع مجتمعا ثاقب الرؤية قوي البنية يحترم العلم ويحتكم إليه في تسيير شؤونه جاعلا منه مطية للتقدم والرفاه.
إن واقع التعليم في بلادنا اليوم لا يختلف إثنان من الميدانيين العارفين به على أنه وصل درجة من الإفلاس تستحق الدراسة والتحليل والمعالجة أكثر مما تستحق من البكاء والتباكي والتلبيس , لأنه كلما أهملنا حال التعليم وغطينا على فشله - ولن نستطيع - كلما أطلقنا العنان للكثير من المشاكل ووسعنا الباب أمام مزيد من الإختلالات على جميع مستويات هذا القطاع , وكلما تقدم الزمن بهذه الوتيرة كلما خسرنا أجيالا من العقول التي تنضم بهذه الفطرة إلى أعباء الدولة المتزايدة بسبب المتغيرات العالمية المتلاحقة , وغلاء وسائل المعيشة وتزايد التحديات الصحية والأمنية والإجتماعية , التي لا يمكن تلبيتها إلا بكوادر وطنية فاعلة تملك عقيدة المواطنة والوطنية على حد السواء , وبمجتمع يمتلك على الأقل فهما لأبسط حقوقه و واجباته على نحو يختزل على الدولة بعض أعباء تطبيق القانون.
و من المعلوم ضرورة أن أي حركة في هذا المجال لا تعتمد على الباحثين الدارسين الميدانيين المخلصين سوف تضاف إلى سجل الخسارتين المادية والزمنية و وبوصفي ميداني و باحث في هذا المجال منذ عقد من الزمن فإنه بات من المحتوم علينا إصلاح هذا القطاع الذي بدون إصلاحه لا ترتجى أية تنمية حقيقية ولا تقدم يتيح للجميع وسائل الرفاه والعدالة والطمأنينة.
و في نظري أن هذا الإصلاح يجب أن يرتكز على عقيدة و إرادة حقيقيين , بدءا بإصلاح مدارس التكوين و تنظيفها من أدران الإهمال و سيبة الإعداد , مرورا بإختيار الأكفاء من هذا المجتمع لتربية الأجيال و إقصاء آخرين لا يقيمون للعلم و لا للعمل و زنا , إضافة إلى تنظيف الوزارات المعنية من ميليشيات الفساد المنتشرة في جميع الإدارت , و التي تعيث فسادا على جميع المستويات مسكونة بعقيدة الإختلاس و السرقة و المحاباة.
فساد ممنهج و تركة ثقيلة تزداد كل يوم في الإفلاس و الهبوط , و كأن التعليم لا يعدو كونه ولاية من ولايات الأمراء الفاسدين , خيرها للأمير و شرها للحشد الغفير . يرزح التعليم و يئِن منذ عهود بعيدة تحت وطأة إغفاله من مشاريع تنمية جادة من طرف الحكومات المتعاقبة و نهب و إختلاس شرسين من طرف المباشرين لإدارته , في مشاهد دراماتيكية لا تستقيم إلا في بلاد السيبة المنسابة تخلفا و جهلا و فقرا .
على حكومتنا اليوم أن تعرف بأنه لا يوجد في بلادنا تعليم , إذ أن هذه الأجيال الموجودة في مدارسنا لا تتلقى من العلم سوى إنحلال الأخلاق و العقد النفسية و جهالة الفكر التي يتعلمونها من الشارع و يعززها مدرسوهم الذي يدخلون الأقسام دون إختيار و لا تكوين و لا أي معيار يضمن صلاح المهمة و إستقامتها , فالإكتتابات العشوائية و التعاقدات المعقدة و التي يتحاصص فيه السياسيون و الولاة , و الضباط , هي مهلكة لمهمة الرسل و أهل العلم و إزدراء بالأمة و مقدراتها.
لم يحدث في التاريخ أن أمة تقدمت في ظل تأخر أهل العلم فيها , و لا ترفهت في ظل تقشف فكرها , و هذا هو حالنا اليوم فأي تقدم هذا و أية رفاهية تلك؟ ولإن لم ننتبه , و نستعجل الأمر و نجعل أمر التعليم في أيدي مصلحة أمينة , و نعينها على إنتشاله من سيبة الفاشلين فلن نستطيع للرقي بل و حتى للإستمرار سبيلا.
الأستاذ : حمزه المحفوظ (ثانوية ول ينج).