يرتبط مفهوم"التعليم" في أذهان العامة و بعض "النخبة " بالمخافات المدرسية الكئيبة واجترار ما عسر وطاب من الأنظام الفقهية المسبوكة علي عجل أيام "عصر الضعف" لتسهيل الحفظ على الكسالى من طلبة العلم وطلاب الكتاتيب ،وارتبط المصطلح في أذهان المواطن العربي بما حمل البعض من علية
القوم وسوقتهم من أفكار بناءة تنعكس إيجابا على الواقع اليومي للمواطن وتساهم في الرفع من مستواه المادي والفكري،غير أن الأمر لم يكن كذالك في أرض المنارة والرباط رغم التنطعات غير المنصفة التي دونها بعض المؤرخين الشناقطة المتعنترين بأساطير ميتافيزيقية، فإذا لاحظت اختلالا بنيويا في هيكل الدولة وضعفا في أجهزتها الوظيفية،وعجزا سافرا عن توفير الاكتفاء الذاتي لأدنى متطلبات المواطن ،فارجع البصر كرتين إلي المنظومة التعليمية لأنها السر في تقدم أو تدهور الدول،فكيف كان فشل التعليم السر في أكثر من نصف قرن من التدهور الذي طبع بلادنا علي مختلف الأصعدة؟ وما مرتكز النهوض في ظل تخبط الحكومات الانقلابية المتعاقبة والارتجالية في اتخاذ القرار السياسي والمواقف السيادية ذات البعد المصيري؟
كغيره من القطاعات الأخرى لم يشهد التعليم لفتة كريمة من بلاط الرؤساء المتعاقبين علي حكم البلاد رغم المحاولات غير المدروسة من قبل هذا النظام أو ذاك للنهوض بالقطاع، و تتقاسم الأنظمة المتعاقبة بدرجات متفاوتة مسؤولية إفشال التعليم وبالتالي فشل دولة وأجيال بأكملها،فالتعليم إلي وقت قريب كان يقتصر علي شرح الغريب من ألفاظ المعلقات وشعراء بني أمية والعباس والقائمة تطول،إضافة إلي قشور علمية لا تنعكس من قريب أو بعيد علي حياة المواطن علي سبيل التحسين والتطوير،فدفعت البلاد ثمن ذالك من خلال ما نراه من انعدام للبنى التحية من صرف صحي وغيره، واستهتار الموظفين بأوقات الدوام واحتقار بعضهم للمواطنين وتعاطيهم للرشوة في معظمهم،لأن الموظف لم يتعلم في المدرسة أن احترام المواطن واجب مقدس،وأن الدولة بكل قطاعاتها مجرد أداة لخدمة المواطن وحمايته،إن رسالة التعليم تكمن في التركيز علي "الفهم" قبل "الحفظ" من خلال برامج تعليمية راقية،وإنني اغتنم الفرصة لأوجه رسالة عبر هذه السطور المتواضعة إلي رئيس الجمهور لأنصحه بالتركيز علي التعليم وجعله أولوية لأي مشاريع أو خطط إصلاحية،لأن ما نشهده من مشاكل مصدره الاختلال البنيوي في منظومتنا التعليمية فالتعليم منظومة متكاملة ولا يمكن تجزئته حسب المزاج الشخصي لغير المتخصصين.
إن نظام الموازنة بين الشعب والتخصصات حسب حاجة السوق ومتطلبات الواقع هو الحل الأمثل لتجاوز الأزمات الراهنة والمتعلقة أساسا بفشل نظامنا التربوي، فالتعليم بجناحيه المدني والعسكري يرزح تحت نير الارتجالية والتبعية للخبراء والمتخصصين الأجانب...كما أن التعليم لم يتخلص بعد من بعض رموز الفساد وشيوخ الطرق الملتوية وضيق الرؤية والزبونية ، فما لم تتخلص الدولة من هكذا عجزة لن نتغلب علي المعوقات والعصي المعرقلة لمسيرتنا التربوية وضمان نهضتنا وعبورنا إلي بر الأمان....فينغي أن نجعل قطاعات من قبيل التعليم والصحة والنقل فوق خلافاتنا وتوجهاتنا السياسية وأن لا نجعل من المواطنين دروعا بشرية لصراعات أبناء الوطن على سلطة أو جاه زائلين.
لقد سئم المواطن صرف درهم معاشه علي تعليم لم يفرز سوي مدير جاهل،ومدرس معتوه،وطبيب انتهازي،ووزير فاسد ومواطن يداس بأقدام نخبة غير مسؤولة،إن الدولة شعبا وحكومة هي المتضرر الرئيس من فساد وفشل منظومتنا التعليمية...ووحده المواطن من سيدفع ثمن التقوقع والتمترس خلف المصالح الجهوية والقبلية لحفنة فاسدة من المرتزقة بدل التلاحم والتعاون للخروج من أزمة مصدرها وحلها يكمن في لفتة بسيطة علي "تعليم" لا يحتاج لكثير من العناء للنهوض به إذا توفرت الإرادة مع قليل من الوازع الوطني وعشق أديم هذه الأرض المقدسة.
منذ الاستقلال وحتى الآن لم تستفد الدولة من خبرات أبنائها العلمية والتقنية إن وجدت لأن صناع القرار طاردوا الرمية وتركوا الرامي،حاولوا علاج المشكل وتركوا سببه ،فكلمة السر في فشلنا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا تكمن بكلمة واحدة في فشل نظامنا التعليمي القائم أصلا علي قرارات سياسية مرتجلة تتغير مع تقلب طقس الانقلابات العسكرية المتعاقبة، وتتحكم فيها أمزجة الجنرالات وكبار سماسرة المال العام والاتفاقيات المشبوهة مع شركائنا في التنمية. لقد درج معظم مثقفينا علي لعق أحذية سكان البلاط بأقلام مرتشية نتنة ناسين ومتناسين رغبا ورهبا حق المواطن في من يذود وينافح عنه أمام القهر والظلم والتهميش...إن شريحة المدرسين المهمشة اقتصاديا واجتماعيا لعبت في معظمها دورا بارزا في تجذير مشاكل التعليم عبر تنافرها وتحاسدها وتباغضها فلا تستغرب أحيانا إذا قام أحدهم بتناول لحوم إخوته وهم ميتون..وإفشاء سر المهنة،وممارسة أعمال تتنافى مع أخلاقيات المهنة الشريفة من طعن في انساب الزملاء،واجترار لمسلكيات العامة،وعدم احترام لوقت الدوام أضرت بسمعة المدرس بين المواطنين وأفقدته ثقته التاريخية وزخمه المعنوي،وروح القدوة الصالحة،وأساءت كثيرا لمهنة الأنبياء حيث قال صلي الله عليه وسلم" أنما بعثت معلما"....فا لمعلم أو المدرس عسكريا كان أم مدنيا هو ركن التنمية، وعليه المعول في بناء الأجيال، أما إذا كان مصدر فسادها فكبر أربعا علي مستقبل الدولة والمواطن ولله الأمر من قبل ومن بعد..فهل من حل في القريب العاجل؟