اللقطة الأولى:
الزمان : 21 ابريل 2006..
المكان: نواذيبو...
الراوي: منتدى "استوب"..
ولنأخذ فقرة مما تحدث به هذا الراوي: "عُثر في مدينة نواذيبو السياحية شمال موريتانيا على المدعوة (.....)، الملقبة "خدي كوريا"، وهي مقتولة، وملقية في إحدى الساحات المهجورة في المدينة بعد أن مُثل بجثتها، وقالت مصادر مطلعة في الشرطة إن القتيلة تعرضت لطعنتين قاتلتين في الصدر أصابت إحداهما القلب، كما تم فقء إحدى عينيها، ويوجد على وجهها آثار الضرب بآلة حادة."
"خدي كوريا" التي قتلت وهي في الثلاثين من عمرها، كانت صاحبة سوابق معروفة لدى الشرطة، خاصة في مجال تجارة المخدرات وفي ممارسة الفاحشة، وقد لقبت بخدي كوريا لصلاتها المشبوهة بالكوريين المقيمين في مدينة نواذيبو.
لاشك أن حياة الأم كانت صادمة، ولا شك أيضا أن موتها كانت أكثر من صادمة، فهي ماتت نتيجة لجريمة بشعة لا شك أنها صدمت كل من سمع عنها في ذلك الوقت، فكيف إذا تعلق الأمر بابنة الضحية؟ وكيف إذا كانت الابنة لا تزال مجرد طفلة مراهقة؟
حاولوا أن تتخيلوا كم كانت صدمة هذه الطفلة الصغيرة التي استيقظت في يوم 21 ابريل من العام 2006 على والدتها وهي مقتولة بتلك الطريقة البشعة.
اللقطة الثانية:
الزمان : 11 يوليو 2012
المكان: القهوة التونسية
الراوي: الشاعر والمخرج السينمائي "محمد إدومو"
لقد كتب هذا الشاعر، على صفحته في الفيسبوك خاطرة جاء فيها ما يلي: "(... ) تجلس أمامي ماري (مريم سابقا)، (... ) تحكي ملامحها الطفولية قصتها المكتوبة على وجهها الصغير، تقاسيمها الدقيقة ورغبتها الملحة في الصمت تفضح واقعا أليما؛ تجلس أمامي في القهوة التونسية دون أن تعرف أين ستنام.. ما أشد ظلم مجتمعنا الذي لا يتورع عن تحميل طفلة صغيرة مسؤولية ذنب لم ترتكبه!!!!!!!"
تخيلوا الآن هذه الطفلة الصغيرة وهي تتسكع في ليلة الحادي عشر من يوليو من العام 2012 أمام مقهى، لا تعرف أين ستبيت ليلتها تلك.
اللقطة الثالثة:
الزمان: 28 سبتمبر 2013
المكان : فضاء الانترنت الواسع، وتحديدا موقع "اليوتيب"
في هذا الموقع ظهر فيديو مدته: 2 دقيقة و51 ثانية، وهذا الفيديو كان عبارة عن أغنية بالانجليزية تحمل عنوان: "بدأ من نواكشوط"، وهذه الأغنية هي من أداء شاب موريتاني يدعى "حمزة براون"، وربما تكون في حياته بعض اللقطات الصادمة، كتلك التي كانت في حياة الفتاة "ليلى".
في هذا الفيديو ظهرت "ليلى" بلا ملحفة، ظهرت وهي شبه عارية، حسب أولئك الذين شاهدوا الفيديو، وكانت تلك هي اللقطة الأكثر إثارة للجدل في حياة "ليلى".
والآن دعونا نرتب اللقطات الثلاث.
فما الذي كان يمكن أن يحدث في حياة "ليلى" بعد اللقطة الأولى؟ وما الذي كان ينتظر من طفلة تخلى عنها والدها، وعاشت أمها بتلك الطريقة الصادمة، وماتت بتلك الطريقة الصادمة.
ألم يكن متوقعا أن تشاهد "ليلى" وهي تتسكع في ليلة 11 يوليو من العام 2012 أمام القهوة التونسية، أو أمام أي قهوة أخرى؟
أو ليس ظهور "ليلى" بهذه الطريقة الصادمة في الفيديو المذكور كان أمرا منتظرا ممن مر في حياته باللقطة الأولى و باللقطة الثانية؟
الصادم في الأمر أن المجتمع كان يغط في نوم عميق عند حدوث اللقطة الأولى، وكذلك عند حدوث اللقطة الثانية، ولكن هذا المجتمع سيستيقظ فجأة عند حدوث اللقطة الثالثة، وسيتظاهر وكأنه لم يغمض له جفن أبدا.
وحتى الآن يمكن القول بأن نسبة هامة من الموريتانيين التي تستخدم الانترنت قد أيقظتها اللقطة الثالثة من حياة "ليلى"، فالفيديو شوهد 7000 مرة في يوم واحد.
وقريبا قد يمتد الجدل الذي أثاره هذا الفيديو خارج شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة بعد أن قررت منظمة آدم لحماية الطفل والمجتمع (مشروع لا للإباحية) أن تنظم وقفة أمام الجامع السعودي بعد صلاة الجمعة القادمة للتنديد بهذا الفيديو، هذا فضلا عن تقديم شكوى عاجلة لوكيل الجمهورية ضد "حمزة وليلى"، وكذلك ضد الشركة المنتجة، وقالت المنظمة بأنها ستتابع الملف قضائيا عن طريق فريق المحامين التابع لها.
إن هذا الجدل الدائر على شبكات التواصل الاجتماعي حول هذا الفيديو، والذي قد يمتد إلى خارجها، ليستدعي تقديم أربع ملاحظات سريعة:
أولها: إن ظهور "ليلى" بطريقة صادمة للمجتمع كان أمرا متوقعا لطفلة تخلى عنها والدها مبكرا، وعاشت أمها وماتت بتلك الطريقة التي تحدثنا عنها سابقا، ولفظها المجتمع في وقت مبكر. لم يكن متوقعا من "ليلى" أن تطل على المجتمع الموريتاني وهي ترتدي الحجاب في حلقة من حلقات مسلسل ديني.
ثانيها: هذا الفيديو لم تنتجه جهة واحدة، بل أن هناك جهات كثيرة ساهمت في إنتاجه، ولكننا ـ وللأسف الشديد ـ لا نستطيع أن نقدم شكوى ضد أي منها.
ومن بين منتجي هذا الفيديو الأسرة التي أنجبت ليلى (الوالد الذي تخلى عنها في وقت مبكر، والوالدة التي رحلت عن دنيانا منذ سبع سنوات). كما شاركت في إنتاجه السلطة الحاكمة حينها، والتي تركت طفلة صغيرة تصارع الحياة لوحدها، خاصة أنها طفلة هي أحوج ما تكون للرعاية، وذلك لأنها ابنة لأب ولأم لا يمكن أن يؤتمنا على تربيتها. فأين كانت إدارة الشؤون الاجتماعية؟ وأين كانت دور الأيتام؟ وأين كانت منظمات المجتمع المدني؟ وأين كان العلماء والخطباء؟ وبالمختصر الصادم: فأين كان المجتمع الموريتاني المسلم 100%؟ وأين كانت ملايينه الثلاثة؟ ولماذا لم يحاول أي واحد من تلك الملايين الثلاثة أن يفعل شيئا، أي شيء، حتى لا تقدم "ليلى" على ما أقدمت عليه؟
ثالثها : طرح هذا الفيديو إشكالية قديمة جديدة، فأيهما أفضل: أن نتجاهل مثل هذه المنكرات بعد وقوعها؟ أم أن نطلق حملة لمواجهتها، مع العلم بأن تلك الحملة قد تتحول إلى حملة دعائية واسعة لما أردنا إنكاره؟
رابعها: هناك أكثر من"ليلى" تصنع الآن، وفي أكثر من شارع، تصنعها الأسر، ويصنعها المجتمع، وتصنعها الحكومات ووزاراتها الفاشلة، وبالتأكيد فإن عددا منهن لن يتأخر في الظهور قريبا بطريقة صادمة لهذا المجتمع الغافل، والذي لا يستفيق أبدا إلا بفعل صدمات قوية من نوع الصدمة التي كانت بطلتها "ليلى مولاي".
وتبقى كلمة..
لم أكن أرغب إطلاقا في أن أتحدث عن موضوع كهذا، وذلك لحساسيته ولتعقيداته ولأنه قد يتعلق بقضايا قد تبدو في ظاهرها قضايا شخصية، ولكن لم يكن من الممكن تجاهل هذا الموضوع بعد أن أصبح قضية عامة، أثارت وستثير في الأيام القادمة جدلا واسعا.
لم يكن من الممكن لمن أخطأ ذات يوم، وقرر أن يتحدث في قضايا تهم المجتمع، أن يتجاهل قضية كهذه .
حفظ الله موريتانيا..