ليلى الفتاة التي ظهرت في الفيديو الذي صوره الفنان حمزة، اعتبرها الكل رجسا من عمل الشيطان. فهي قامت بفعل يمثل مروقا على أخلاق وعادات المجتمع بالإضافة إلى أنه تعد على حدود الله، مما وجه إليها أصابع النقد، فتراشقتها الألسن بشتى النعوت وطالب البعض بإيقافها عند حدها "لا للإباحية " .
تناول الكثير من الكتاب قضية هذه الفتاة، إلا أن نظرتهم للموضوع كانت ضيقة بعض الشيء و متقوقعة في شخص الفتاة ، إلا أنني أرى أن فساد ليلى الأخلاقى كما يسميه البعض أو تقليدها للثقافة الغربية كما يسميه البعض الاخر ، لم يكن عشوائي و لا آتي من فراغ ، بل له علاقة بالفساد السياسي ، نعم ، قضية ليلى لها بعد آخر ، و لها علاقة بالفساد السياسي علاقة سببية لا يمكن لأحد انكارها ، و لست هنا أسوغ فعل الفاحشة ، أو المروع على تعاليم الشرع ، بل أحاول أن أكون منصفا بعض الشيء ، و أثير نقطة في الموضوع لم يتطرق لها أي من الأقلام التي طرقت الموضوع .
ليلى فتاة عشرينية مما يعنى أنها ولدت في حقبة يقول الكل عنها أنها تمثل العصر الأسود في تاريخ موريتانيا السياسي و هي فترة حكم العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع ، الذي قاد انقلابا عسكريا استولى من خلاله على الحكم في العام 1984 تميزت هذه الفترة التي امتدت عقدين من الزمن بالفساد ، كانت خلالها عقارب الساعة تمضي بالدولة الموريتانية بصفة عكسية ، و هي الفترة التي أدى الاحتقان السياسي فيها إلى محاولة انقلابية باءت بالفشل قام بها العقيد صالح ولد حننا في يونيو 2003 و رغم فشل هذه المحاولة إلا أنها أيقظت شبح الانقلابات الذي كان رقد منذ عقدين من الزمن ، لتعود البلاد بذلك إلا حقبة الانقلابات ، و هنا يثور التساؤل أيهما كان الأحسن حينها ، أن تنجر البلاد من جديد إلى وحل الانقلابات أم أن يظل الوضع كما هو عليه ؟ ، تساؤل إلى حد الآن لم أجد له جوابا ، فلا أظن أن الوضع تغير كثيرا منذ 2003 .
و في 3 أغسطس 2005 نجح أعلي ولد محمد فال في انقلابه ضد نظام معاوية ولد سيدي أحمد الطايع ، لتبدأ بذك التطلعات ، و أحلام اليقظة فلقد حسب المواطن الموريتاني أن هذه عي نهاية الألم و الحزن ، و بداية عصر جديد ، و بزوغ فجر الحرية و العدالة و دولة المؤسسات . إلا أن المجلس العسكري للعدالة و الديمقراطية الذي حكم البلاد فترة قصيرة من الزمن و الذي برر انقلابه بما ورد في بيان له "منذ سنوات ، دخل النظام السابق في أزمة ثقة مع الشعب، وبدأت العلاقات بينهما تتدهور وتفاقم الشعور بالكبت و الظلم، و وصلت الحياة السياسية إلى طريق مسدود بعد أن تحولت المؤسسات المنبثقة عن دستور العشرين يوليو إلى صورة مزيفة للديمقراطية " إلا أنه يبقى الواقع غير ذلك فالانقلابات منافية للديمقراطية ، و ظروف المواطنين لم تتغير ، ليتسلم بعد ذلك السلطة الرئيس المدنى سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في 2007 التي أتى به الشعب من خلال صناديق الاقتراع ، ليتم فيما بعد وطئ إرادة الشعب بالمناسم و يتم الانقلاب على سيدي ولد الشيخ عبد الله في وفي 6 أغسطس 2008 .
و نعلم جميعا أن الاقتصاد يتأثر سلبا و إيجابا بالوضع السياسي ، فتوتر الأوضاع السياسية في أي بلد يشلل ديناميكية الادارة والمؤسسات ، والتناحر السياسي والاضطرابات الأمنية المتنقلة ، كلها عناصر تؤدي الى انهيار أي اقتصاد في العالم ، ولكن الأكثر إيذاء للاقتصاد ، هو انعدام الشعور بالمسؤولية ، مما أدي باقتصاد البلد إلى التدهور و الانحطاط ، ليصبح الحصول على لقمة العيش أقرب ما يكون إلى مسألة حياة أو موت .
فبسبب الفساد السياسي الذي ترتب عليه كل هذا التوتر و عدم الاستقرار لم تجد ليلى متسع من الوقت لتنهل من معين ثقافتها ، و أصالتها ، و لم تتسنى لها الفرصة في أن تتعلم تعليما يجعلها صاحبة مبادئ راقية .
إن الفساد السياسي هو السبب الكامن وراء كل مشاكل البلد سواء تعلق الأمر بحرق الكتب أو الرصاصة الصديقة أو الانقسام أو العزوف عن المشاركة في الانتخابات القادمة ، فكل ما احتقنت المواقف و جن جنون المواطن البسيط سيبحث عن حل لمعضلته ، حتى و إن كان الحل في ما يعده الآخرون سفها .
لذا فليلى ليست إلى حالة من كثير من الحالات فإن كانت هي باعت جسدها ، فلقد باعوا من هم أحصف منها عقلا و أكثر علما كرامتهم ، و وطنيتهم ، و انتمائهم ،بل ودينهم أحيانا ، و كلنا ضالعون مع ليلى و ليلى و ألف ليلى أخرى .