الحوار منهج ديمقراطي سليم يعبر عن نضج فكري ورقي حضاري ، وهو وسيلة ناجحة لحل المشاكل وتجاوز الصعوبات(إذا كان بين طرفين مدنين متكافئين) وقد كان واضحا أن رئيس وفد منسقية المعارضة رئيس حزب اتحاد قوي التقدم السيد محمد ولد مولود قد أدار الحوار
مع من يمثلون النظام بكل الحيوية والجد التي يتطلبها الحوار وسعي جاهدا لدفع الطرف الآخر إلي الخروج من دائرة التزمت والتعنت وكان يواجه في جبهته قوة جبارة من الرفض المطلق لأي حوار مع نظام أجمعت المنسقية علي ضرورة رحيله. فهل نجح الحوار في كشف أجندة المتحاورين؟
بدأ الحوار في جو من الرفض الصارم للحوار مع النظام وكان الرئيس الدوري للمنسقية وزعيم المعارضة هو الأكثر حسما في موقفه من الإنتخابات وتنديدا بمحاولات النظام جر المنسقية للحوار .
النظام من جهته كان قد أجتاز لتوه عقبات كأداء (مشاركة جبهة الزعيم مسعود واقتناع بعض أحزاب المنسقية بالمشاركة وتسلل بعض الشخصيات من صفوف المعارضة وإعلان دعمهم المباشر للرئيس)
سجل النظام نقاطه بسرعة مذهلة وتراجعت المنسقية بدفع قوي من المنسحبين من صفوفها .
جاء الحوار إذا في وقت انتظر فيه النظام سقوطا محتوما للمنسقية ومن ورائها المعارضة ونجاحا محليا باهرا في الإنتخابات لحزبه واعترافا دوليا كبيرا بحكمته وديمقراطيته .
لكن جنرال الديمقراطية الذي قاد فريقه في جلسات الحوار من سماعة هاتف وزيره في المفاوضات لقي من المعارضين دفاعا قويا ومدروسا ، ورباطة جأش وحنكة في الخطاب والطرح والرد .
كانت الوثيقة المسربة -عن قصد أو غير قصد - أول طعم تلقفه النظام وعمل علي تفكيكها ودراستها والبحث من خلالها عن ما يمكن أن تبحث عنه المنسقية في الحوار وقد فطن النظام إلي أن المعارضة يمكن أن تكون قد تخلت بالفعل عن مطلب الرحيل وبني علي ذلك لعبته في الحوار والتي تركزت علي فخ تأجيل الإنتخابات لأنه يضرب عصفورين بحجر واحد:
أولا : سوف يمكن طلب المنسقية تأجيل الإنتخابات النظام من التراجع أبعد من ذلك بحيث يتسني له إجراء إنتخابات متزامنة رآسية (وهي الأهم) وبرلمانية وبلدية (أقل أهمية) ويدعي أن المنسقية هي التي دفعته إلي ذلك
ثانيا: يضمن النظام بذلك الطلب تعهد المنسقية بالمشاركة في الإنتخابات ومن ثمة تخليها عن شعاراتها المزعجة
هذه الأجندة لم تكن واضحة قبل الحوار - الجاري أو المتوقف- بالنسبة للبعض ، لكن آخرين ومن بينهم وفد منسقية المعارضة ، كان علي بينة تامة من طموح النظام وسعيه لذلك لم تنطلي عليه الحيلة ولم يسقط في الفخ وأكثر من ذلك كسب وفد المعارضة المحاور ورئيسه الجولات السابقة بفارق كبير في النقاط:
- الخروج من الفخ بإحراج جديد للنظام (كان يمكنه تجنبه) وهو أنه قطع نصف الطريق في اتجاه جني مكاسب روج لها داخليا وخارجيا وأصبح التراجع عنها خيبة أمل كبيرة وفشل لابد من تحمل تبعاته
- إجبار الأحزاب المنضوية تحت لواء المنسقية بالإنسجام مع مواقفها من جديد والإلتزام والإبتعاد عن أي حوار منفرد مع النظام
- جذب الطرف المعارض (الزعيم مسعود وحلفائه) للتضامن والتعاطي من جديد مع ملف الإنتخابات والتنبه لثغراته وقد حدث ذلك مع مواقف تلك الأحزاب من تصرفات لجنة الإنتخابات
- بعث رسالة إلي الخارج مفادها أن المنسقية ليست رافضة للحوار كما يدعي النظام ولكنه هو من يتحمل المسؤولية عن أي انتخابات أحادية قادمة
لقد استعادت المنسقية (من الجولات السابقة ) بعض الثقة عندما خرجت بهذه النتائج المهمة والتي أفادت كثيرا في إعادة النظام وانتخاباته إلي المربع الأول وجعلته أمام الخيارات التالية :
- أن يستجيب لمطالب المنسقية ويوقف الإجراءات الإنتحابية ويستعد لدخول حوار جاد (من أجل الرحيل)
- أن يواجه المعارضة مجتمعة ومعها شركاء الخارج وحينها لن تنجح الإنتخابات القادمة خاصة أنها تمهد لأخري رآسية سوف تتأثر حتما بإجرائها في هذه الظروف.
- أن يقدم بعض التنازلات تقتنع بها بعض أطراف المنسقية ، وهو ما حاوله وفد النظام في الجولات السابقة وأفشله ثبات المعارضين وقدرتهم علي استيعاب الخصم .
لقد أفادت أخيرا الجولات السابقة من الحوار في كشف ألئك الجنود المجهولين الذين كانوا مندسين بين صفوف المنسقية والذين يعد انسحابهم قبل أن تتفكك المنسقية (كما عملوا لذلك) نجاحا سوف يزيد من تماسكها ويدفعها لمراجعة اللوائح الداخلية وتصفية البقية الباقية من هؤلاء (إن وجدت)