6أكتوبر 1973م : جيشان ونصر (أربعون سنة أخري: مالذي حدث؟ ) / الحاج ولد المصطفي

 الحاج ولد المصطفيبعد هزيمة 1967م واحتلال أراضي مصرية(سيناء)وسورية (الجولان)قررالجيشان المصري والسوري أن يخوضا ملحمة التحرير، وبدأت القوات السورية الهجوم وأنطلقت قذائف المدافع على التحصينات الإسرائيلية في الجولان

في السادس من أكتوبر عام 1973م عند الساعة الثانية بعد الظهر واندفعت الآلاف من القوات البرية السورية إلى داخل مرتفعات الجولان تساندها قوة كبيرة 

من الدبابات ، بينما كان طيران سلاح الجو السوري يقصف المواقع الإسرائيلية، وعبر الجيش المصري  قناة السويس عبر موجات من الفدائيين الأبطال ، ودمر خط بارليف وخلال يومين من القتال، باتت مصر تسيطر على الضفة الشرقية لقناة السويس وتمكن الجيش السوري من تحرير مدينة القنيطرة الرئيسية وجبل الشيخ مع مراصده الإلكترونية المتطورة.

حدث ذلك نتيجة عوامل أهمها :

-         عقيدة الجيشين المبنية علي التضحية من أجل الوطن والحرفية القتالية العالية نتيجة التدريبات المكثفة والمستمرة

-         قيم الدين الراسخة وحب الشهادة في سبيل الدفاع عن الأمة ودحر العدو الصهيوني الغاشم

-         مفهوم المؤسسية التي كانت تطبع استراتيجياتهما وبناءهما العسكري بامتياز

-         القيادة العسكرية المهنية والشجاعة ونتذكر هنا المرحوم سعد الدين الشاذلي وحتي حافظ الأسد في عهده الأول .

-         مساندة الشعبين المصري والسوري وسائر الشعوب العربية وتوفير الدعم المعنوي الكامل وكل الحوافز الإجتماعية والنفسية  والمالية الضرورية للمقاتلين (سكان السويس وقري الجولان)

انتهت حرب أكتوبر (تشرين) بنتائج بسيطة من حيث أن الأرض لم تحرر بالكامل وقد تراجع الجيش السوري كثيرا حتي آخر قرية في الجولان (القنيطرة) وعبر الصهاينة من جديد القناة وحاصروا الجيش الثالث المصري .لكن محادثات السلام بين العرب والصهاينة أظهرت مدي احترام العدو للجيشين وقبوله التوقيع علي الهدنة وهي الإتفاقية التي بقيت سارية مع الطرف السوري في حين استبدلها المصريون باتفاقية الذل والعار (كامب ديفد).

أربعون سنة مضت علي حرب تشرين ونصرها العظيم ودروسها المستقاة فالذي حدث بعد ذلك؟

أصاب العقيدة العسكرية الوهن وتراجعت القيم وتبدلت ،وتغير المفهوم أو "تطور".

صحيح أن ذلك يحدث نتيجة تأثيرات عصرية وتحولات اجتماعية وقيمية وظروف اقتصادية معقدة .

لقد  شاهدنا في العصر الحديث كيف استطاعت تنظيمات مقاتلة صغيرة العدد والعتاد أن تنهك جيوشاً متقدمة ومتطورة( كتائب القسام في غزة  وحزب الله في لبنان في مواجة الجيش الصهيوني)، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي يحتل الرقم 13 ضمن أقوى جيوش العالم وكما حدث مع الجيش الأمريكي (أقوى جيش في العالم) في أفغانستان في معاركه مع بضعة آلاف من المقاتلين غير المنظمين. إن المعارك العسكرية في هذا العصر لم تعد تهتم بمعايير القوة التقليدية من عدد وعدة وعتاد وتدريب وهو ماكانت تعتمد عليه العقيدة القتالية للجيوش العربية التقليدية والتي يحتل فيها أقوي الجيوش العربية الجيش المصري الرقم 14 خلف إسرائيل مباشرة  ويليه الجيش السعودي ثم السوري  ووفق هذا التصنيف لك أن تتخيل أن الكويت والإمارات تحتلان أرقاما متقدمة ضمن عشرة جيوش هي الأقوي عربيا (ليس من بينها الجيش الموريتاني طبعا الذي يأتي في المرتبة 17 عربيا) مما يوضح أن معايير القوة في العقيدة العسكرية التقليدية قد تغيرت كثيرا وحلت محلها عوامل قوة جديدة تتعلق بأمور كثيرة من بينها:

-         الميزانيات العسكرية (حجم الأموال المرصودة) والتي أصبحت أقوي العوامل في تشكيل عناصر القوة لدي الجيش (الأسلحة النووية ، الأقمار الصناعية منظومات الدفاع الإلأكترونية ، سلاح الجو المتقدم ....إلخ)

-         الإيمان بالقضية وهو أهم العناصر في القوة الحديثة المضادة أو الموازية للقوة المادية ويعني تعزيز القناعة الدينية لدي الجندي ومده بعناصر الإيمان القوي الذي يكسبه القدرة علي التضحية

لقد وجدت الجيوش العربية المنتصرة في حرب أكتوبر نفسها محاصرة بعقيدة قتالية جديدة وقيم بدأت تفقدها تدريجيا ومفاهيم تحطمت علي صخرة الفساد الذي بدأ ينخر مؤسسات الجيشين العربيين الكبيرين وسواهما من الجيوش العربية وقيادات منشغلة  بأمور السياسة والحكم وممارسات الدكتاتورية والإستبداد  .

خرج الأسد من حرب أكتوبر ضعيفا ومحبطا وأخذ يؤسس عهده الجديد علي البطش وتقوية شوكة عصبيته الخاصة وانغمس في العمل المخابراتي لحماية نفسه من قوة الجيش الدفينة وقدرته علي التمرد واستعان في ذلك بالعدو قبل الصديق وباع القضية وضحي بقيم جيش سوريا البطل وعقيدته الشامخة حتي أنتهي المآل بالبلاد كلها إلي حرب داخلية بين جيشين :

-         الجيش الحر من أبناء حرب تشرين الأبطال وهم يستعيدون أمجاد الماضي ويحررون بلادهم من خيانة آل الأسد

-         وجيش الفلول من مرتزقة العصبية التي بناها النظام لنفسه من أبناء الهزيمة والإحباط والتخاذل والإنحراف الفكري والديني

وفي مصر لم يحد السادات كثيرا عن  نهج الهزيمة النفسية والتفريط في الإنتصار  فقد قام بزيارته المشؤومة لتلابيب ووقع اتفاقية الغدر والخيانة وكانت عاقبته القتل في احتفال للجيش المصري العظيم واستمر مبارك علي خطوات السادات غير مستفيد من الدرس بتشجيع من المخابرات الأجنبية التي أحكمت قبضتها علي مواطن القيادة في الجيش المصري وهاهي مصر اليوم تدخل نفقا مظلما بعدما ما قامت ثورة الكرامة في الخامس والعشرين من يناير وسلمت قيادة الشعب وفق إرادته الحرة للرئيس المنتخب محمد مرسي واقتادت الثورة المخلوع مبارك إلي سجن طرة، فأعاد قائد آخر من نفس المدرسة العسكرية العميلة (السيسي) الأمور إلي عهد مبارك وزبانيته واندلعت ثورة استعادة الشرعية  والتي تقود نضال الشعب المصري لإستعادة ثورته المختطفة من عملاء الأمريكان من قادة الجيش وعصابة المخابرات المندسة في صفوف ذلك الجيش العظيم .

إن حال الجيش المصري اليوم بعد أربعين سنة علي نصر السادس من أكتوبر يشبه حال نظيره ورفيقه في ذات الإنتصار الجيش السوري البطل ،لكن قوة التنظيم لدي أكبر فصيل سياسي مصري لاتزال تمنع من المواجهة المسلحة بين الأحرار في ذلك الجيش وبين الطغاة والعملاء ويواصل تحالف دعم الشرعية بقيادة الإخوان المسلمين نضاله  السلمي رغم ما يواجه به من رصاص القدر وأحكام الظلم وإعلام التزيف .إن موعد السادس من أكتوبر لن يمر في ذكراه الأربعين علي الشعب المصري كما كان يمر في الأعوام السابقة ،إن قطار الحرية قد انطلق منذ قيام الربيع العربي ولن يتوقف وعلي قادة الإنقلابات في مصر والوطن العربي أن يأخذوا العبرة من نصر 6 أكتوبر  حين التحم الشعب مع الجيش وأن يستفيدوا من الدرس الذي يقدمه الجيش التونسي في حياديته ومهنيته وابتعاده عن الممارسة السياسية وإلا فإن  الأمور قد تنفلت في أي وقت لأن الضغط يولد الانفجار والدولة لا تستقيم علي الظلم وقيادات الإخوان أصبحت كلها  في السجون والجيش المصري ليس أقل وطنية من شريكه في النصر..... ولا أحد يتمني لمصر ما يحدث في سوريا واليمن .

4. أكتوبر 2013 - 12:01

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا