ما الذي بدأ من نواكشوط؟ (تأملات في الكلب الغنائي الأخير) / سيد محمد ولد احمد

 سيد محمد ولد احمدأقصد بالكلب "الكليب الغنائي"..

ربما يكون الذي بدأ هو الغباء أو في حالة ما كان الأخير موجودا، ربما يكون البادئ هو الجنون أو السخافة، سخافة من تأثر بهذا الكلب الغنائي أو تغنى به.. أيعقل أن تثور ثائرة المجتمع – الذي هو قطعا ليس مجتمع النبوة، وما أبعده منه – بسبب كلب غنائي مصور؟

أن يضع البعض اللائمة على جهات أجنبية متهما إياها بالسعي لإفساد المجتمع الراقي المحسود! مستندين في ذلك على العلم الأمريكي الذي تمنطق به المغني الساذج..

وآخرون ربطوا بين الفتاة المسكينة ومن زعموا أنها أمها المومس المقتولة! وهل تزر وازرة وزر أخرى؟ ثم أين السكوت عن الأموات من أهل الكبائر، اطلعنا على الغيب أم أن همز الناس ولمزهم أصبح عادة عند كل من يدعي السلامة من الخطأ والذنوب؟ إن أمريكا لا تملك وقتا للتخطيط لإفساد مجتمعنا البدائي أخلاقيا، يكفيها تخلفه وبعده عن ركب الحضارة وتهديد مصالحها الكبرى التي من بينها الحيلولة دون نهوض الإسلام. وأين من ينهض به في ظل هذه البدع وهذا النفاق؟

الضال متعايش عندنا مع المستقيم ولا أحد منهما يكلف نفسه عناء النصح لأخيه، وهداية إلى ما عنده من حق!

وعندما يخرج مراهق ومراهقة في سيارة تطاردهما الشرطة والجيش، أما زعامات الفجور فتنعم بالأمان بل والحراسة في أوكار الفجور المعروفة. ولك أن تتصور الرعب الذي يمكن بثه في نفوس ثلاث فتيات برفقة عامل لدى أسرتهن تأخرت السيارة عن إحضارهن من حفل زفاف فأمسكت بهن الشرطة المشبوهة في طريق عودتهن في أحد التاكسيات!

تصور الرعب الذي ستبثه في نفوس مراهقات منهن من لم تبلغ الحلم! أهذه أشكال فساد أيها الفاسدون؟

لقد تجردت الفتاة في الكلب الغنائي من الملحفة، لكن هل اعترض احد على التجرد المستمر منها في الأسواق والشوارع؟ هل اعترض أحد على قلة سترها للجسد، وميوعة بعض المثقلات بها؟ هل اعترض أحد على طريقة لبس نساء الزنوج والعرب؟

لماذا هذه القداسة الكاذبة التي نحاول إضفائها على مجتمعنا الذي بدأ ينحرف بسبب سوء أعمالنا؟

لماذا تثار هذه الضجة حول كلب غنائي لا يقدم ولا يؤخر، زعم البعض أن إمكانيات تصويره جبارة، والحقيقة انه تصوير مبتدئ بل ورديء، كما أن الأغنية التي بعنوان "لقد بدأ من نواكشوط"، تافهة تجعلك تتساءل ما الذي بدأ من نواكشوط؟ وربما يأتيك الجواب: "غباء المعلقين على الأغنية"؟ أو "تفسخ الشباب الضائع وتشبهه بالمجتمعات الغربية المنحلة"، أو "نتن المياه الراكدة المتجمعة في شوارع نواكشوط"...

 

الشاب المسكين يردد كالببغاء: "لقد بدا من نواكشوط.. لقد بدأ من .."، والشابة المراهقة تشرب العصير وتلعب البلياردو في أحد المقاهي، وصفحة المياه الراكدة العكرة تتراقص على نغمات قصة الحب انواكشوطية القذرة..

تصوير تافه لولا المحيط الذي اعشقه، وكلمات سخيفة، وتمثيل أسخف، وردة فعل أسخف وأسخف..

البداية مع "لا للإباحية"، من حقها المناداة ضد تفشي الإباحية، وهو أمر محمود، لكن أليس أولى المناداة ب "لا للشرك بالله" أو "لا لدعاء غير الله" أو "لا للعبادة الغير ثابتة عن رسول الله"، أو "لا لتشرذم المجتمع إلى فرق البدع"، أو حتى "لا للمسلسلات المكسيكية المخربة للأخلاق"!

إن الكبائر على عظمها أخف من البدع، وهذه الفتاة التي رمت الملحفة بعيدا، وهذا الشاب الذي انطلق يغرد بلغة العجم ومزمور الشيطان، هذان الضائعان الغافلان قد يكونان أفضل من بعض أعلام البدعة التي بدأت في نواكشوط منذ بعيد!

إن خطئهما أخف من خطأ المدلس على دين الله، الداعي إلى عبادته بغير ما شرع لرسوله صلى الله عليه وسلم، المشجع على دعاء غيره.. إن ذنبهما هذا أقل من ذنب من وقع في المحظور وهو العقيدة، وتخبط في الشرك..

ثم إن الرأفة بهما والنصح لهما بالتي هي أحسن أولى من تنفيرهما من الدين الذي نزعم الدفاع عنه، ونحن في الحقيقة ندافع عن عصبيات مجتمعية جاهلية، وإلا فأين الإنكار على المسلمين من غير البيظان؟ إن مرحلة المراهقة مرحلة حساسة، وينبغي عذر صاحبها خصوصا إذا تربى في أجواء هذا المجتمع القاسي وهذه المسلسلات اللاتينية والإنترنت المفتوحة على مصراعيها لكل من هب ودب..

كما أن ضعف تمثيلنا للدين الإسلامي بسبب تفرقنا إلى هذه الطوائف المبتدعة المتباغضة التي تؤسس لمصالحها لا للدين، وإبعادنا لمنهج الشريعة عن أساس حياتنا، جعل البعض يعتقد رغم ضلاله وجهله أنه على شيء، حتى اللغة العربية التي هي الوسيلة إلى فهم ديننا استبدلنا بها لغة المستعمر في أنظمتنا التعليمية! والشريعة التي هي أساس حياتنا القويمة استبدلنا بها المناهج الغربية، فماذا ننتظر من جهلة بالدين تتخطفهم طرق البدعة يمينا وشمالا، هذا إن تفكروا يوما في دينهم، إلا ما شاء الله.. فمثلا يكتب بعض الجهلة بالإسلام من علمانيين وليبراليين وسفسطائيين مستغلين الفرصة، واصمين الغيورين على دينهم بالتعصب والغباء، وزاعمين أنهم هم أصحاب العقول المستنيرة - بشعلة الشيطان طبعا -، وما أجهلهم بدينهم، المساكين يستحقون الشفقة أكثر من حمزة وليلى..

ودعني أيها القارئ أعطيك نبذة عن الإسلام الذي أعتقد فيه: إنه دين ذكي وبسيط، ذكاؤه في أنه من عند خالق الذكاء، لا يمكنك أن تجد فيه تناقضا إلا ما شاء الله تعالى أن يمتحن عقلك القاصر به، وهو في حقيقة الأمر اختبار لك لا طعن في الدين، وعليك دعاء ربك أن يسدد خطاك في حالة إصابتك بعدوى الشك والجهل..

كما أن من ميزاته ذلك التنبيه الفطري القلبي الذي يجعلك تحس بأن القرآن حقا كلام رب العالمين، ويجعلك تنادي في الشدائد خالقها وهو القوي الجبار، تلك أل "alarme" – لكي يفهم حمزة وليلى، ومعهما العلمانيون والرجعيون – التي تبث في أعماقك شعورا بأن هذا الدين من عند الله ليس من عند الشيخ الفلاني أو الولي الفلاني..

تلك البساطة المتجلية في كون الرسالة موجهة إلى البشر لا إلى الملائكة والأقطاب والأوتاد، بشر عاديون كنبينا عليه الذي كان يأكل ويشرب ويتأذي ويفرح ويتزوج النساء ويلاعب الصبيان، ويمرض ويموت، ولا يعلم الغيب، ولا يغيث طالب ما لا يقدر عليه إلا الله جل وعلا.. ذلك الدين الراقي الذي يدعو إلى مكارم الأخلاق والعيش بين الناس كملاك، ذلك الدين الذي يحفظ النفس والعرض والمال، والذي أعطى لكل جرم بديلا أفضل منه من بعيد، فجعل الزواج بديلا للزنا ولا مقارنة بينهما، ففي أحدهما اختباء عن الأعين واستقذار المطالعين لفعله وفاعله، وضياع الإيمان وماء الوجه والجهد والوقت والمال وربما الصحة، أما الآخر ففيه الإعلان والإفتخار أمام الناس والصحة وصفاء الوجه والولد الطيب والبيت الجميل الذي يبنى في شارع الحياة وعلى صفحات التاريخ (من خلال الذرية الحسنة)..

ذلك الدين الذي جعل الطيب من الطعام خير من الخبيث منه بشهادة الأطباء، وجعل الطيب من الشراب أفضل من الخبيث منه، وجعل المال الحلال المبارك خير من المال الحرام المشئوم، وجعل طمأنينة العبادة وفرحة بث الصدقة ألذ من كلوح الغفلة وعبوس الشحن وجعل المؤمن المتبع خير الناس...

إنه باختصار دين حياة تبدأ في هذه الدنيا التي هي دار اختبار مملوءة بالشياطين والحيرة، وتنتهي في مرحلة أبدية نعيم الجنة الذي لا يمكن مقارنة نعيم الدنيا المتقلبة به، أو عذاب النار الذي لا يطاق، والعياذ بالله..

إن طريق النجاح في هذه الدنيا ليس أن تكون علمانيا ثوريا، أو قوميا مجنونا، أو سياسيا خرفا، أو مغنيا حالما.. النجاح في أن تتبع الكتاب والسنة وتعض بالنواجذ عليهما وإن هرف الآباء والشيوخ بما لا يعرفون، فابحث عن الحق بنفسك ولا تتكل على أحد غير الرسول ومنهجه في ذلك، فكل الناس مثلك باحثون، لرحمة ربهم محتاجون..

تعلم اللغة العربية أيها الغافل – والغافلة - إن كان اهلك جنوا عليك بدسك في مدارس petit centre الغريبة! واعلم أن فلاحك في الدنيا والآخرة مرتبط بها، فبها تعرف كلام ربك، وبها تعرف رسولك صلى الله عليه وسلم، وبها تقيم الحجة على البدعة، وبها تتغلب على العلمانية التي تأسرك بسبب الجهل والعناد السخيف..

اجعل الدين أساس حياتك، اقرأ القرآن يوميا، وتفقه في دينك – يمكنني مساعدتك بأن أدلك على موقع إسلامي مجاني لتدريس العلوم الشرعية هو الأفضل في رأيي، ولن تخسر شيئا بتخصيص بعض الوقت المبعثر في السياسة والغناء والأفلام لتعلم ما ينفع -، واحذر كل الحذر من البدع التي لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فغن الدين قد اكتمل بشهادة القرآن، والعبادة بها مضيعة للجهد والعمر، وغير مضمونة النتائج، فأحذر من أن يكون عملك في الآخرة كأنه هباء منثورا، والعياذ بالله..

 

[email protected] 

4. أكتوبر 2013 - 12:06

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا