من الواضح أن حزب تواصل قد اتخذ عن قرارا بالمشاركة في الانتخابات البلدية والنيابية القادمة وأنه فعل ذلك وهو يعرف حجم التحديات التي تواجه هذا القرار والمخاطر التي تترتب عليه ولكان للحزب على ما يبدو أسبابه التي لا تخفي على من لديه اطلاع على طبيعة الحزب والمؤثرات الموضوعية التي طرأت واستجدت و دفعت به لاتخاذ قرار كهذا
ولعل أبرز الاسباب التي دفعت الحزب للمشاركة في الانتخابات إجمالا هي رغبته في الدفاع عن شعبيته ومكاسبه الانتخابية التي تحصل عليها ونزولا عند رغبة بعض مناصريه وقواعده، وحتي لا يترك الفرصة للنظام الفاسد في أن يستفرد بالمشهد السياسي ويحكم على المعارضة بالإقامة الجبرية داخل المقرات والاكتفاء بالتصريحات وبيانات الشجب والتنديد .
ولأن حزب تواصل من الاحزاب السياسية الفاعلة في الساحة الوطنية بل من أكثرها شعبية وحضورا سياسيا وألقا إعلاميا ولأن لديه رؤية ومشروعا للمجتمع والدولة يسعي الى تقديمه ونشره ويختار لذلك مختلف المناسبات والفرص توضيحا لـ "بينات الحل الاسلامي" وشرحا لـ معالم ومفردات النظرية السياسية الاسلامية فضلا عن أهمية تقديم الشخصيات والرموز الاسلامية للمجتمع الموريتاني كمرشحين ومتحدثين سياسيين كماهم أئمة وخطباء ودعاة ووعاظ .
كل ذلك يجعل من مشاركة تواصل في الانتخابات أمرا طبيعيا أو على الاقل خيارا مفهوما يدرك ذلك أي منصف يعرف حقيقة الوضع ويدرك تعقيدات المرحلة وهي اعتبارات ليس فيها ما يشين الحزب أو ينتقص من رصيده فهو حزب سياسي مناضل يمثل تيارا وطنيا فاعلا في معارضته ناصع الخطاب قوي الشكيمة فالمزايدة عليه في هذا الموضوع تصرف طفولي ساذج، بل إن المشاركة في هذا الظرف تدل على شجاعة الحزب وكفاءة قيادته السياسية وفهمها الثاقب للوضع السياسي والظروف التي يعيشها الوطن كما يدل على الطبيعة الحيوية والشخصية الايجابية المبادرة التي تميز بها الفعل السياسي التواصلي من ذو فترة وهي وليدة مسيرة سياسية طويلة وتجربة قاسية مرت بها التجربة السياسية الاسلامية الموريتانية خلال عقود من العمل السياسي والتحالفات المختلفة .
وهذا القرار بالمشاركة في الانتخابات ليس مهادنة للنظام أو خروجا على خط المعارضة كما يتصور بعض أنصار المعارضة المقاطعة للانتخابات فموقف الحزب من النظام لم يتغير إطلاقا لأنه قائم على تشخيص دقيق خرج منه الحزب بقناعة تامة بان النظام الحالي لا يرجي منه خير للبلاد وأنه نظام انقلابي دكتاتوري انفرادي فاسد لا يختلف عن الانظمة الفاسدة في شيئ وإنْ تلون وتظاهر بغير ذلك وتمسح بمسوح الزهاد وانتسب للفقراء ، وأن معارضته وفضح فساده وكشف فشله وأوجه تقصيره واجب وطني وأخلاقي على كل الأحزاب والشخصيات الوطنية الوازنة ، وأن المسار المعارض الذي رفعت لواءه المنسقية خلال المرحلة الماضية كان خيارا سياسيا مناسبا في وقته وحينه وإن حدثت فيه أخطاء وصاحبته نواقص .
وقد تحركت منسقية المعارضة في الاسابيع الاخيرة وأخذت مسارا سياسيا جديدا شاركت بموجبه في حوار مع النظام يقتصر على العملية الانتخابية وشروطها الاجرائية مما يعني أن الموقف العام في المنسقية لا يختلف في جوهره عن توجه تواصل للمشاركة في الانتخابات خصوصا في ظل الحديث عن تقديم اتحاد قوي التقدم لوائح ومرشحين في معاقله التقليدية التي يتوقع أن يحصل فيهاعلى مقاعد .
على هذا من المهم أن تبقي منسقية المعارضة متفقة على معارضة النظام وإن اختلفت في الموقف من المشاركة في الانتخابات من عدمها فهذا موضوع سينتهي بعد حين وستبقي الاسئلة الجوهرية مطروحة حول الاسلوب الامثل والانجع لمقارعة النظام الفاسد ومواجهة خططه للهيمنة على المجتمع والدولة .