"إن الحجة، أي الفكرة التي تهدف إلى الإقناع، غنية عن الصراخ، لأنها موجهة للعقول لا إلى الآذان." محمد يحظيه ولد ابريد الليل رحمه الله.
على عتبات موسم سياسي يتوقع أن يكون ساخنا ويُؤمل أن يعبر ببلادنا -بإذن الله- إلى بر أمان 5 أعوام من حكم مستقر؛ تتزايد وتتنوع خطابات المرشحين ودعايات مناصريهم.
وعلى رأس مبررات الداعمين للرئيس الحالي والمستقبلي (بمؤشرات الواقع، الذي قلما تؤثر فيه الاستحقاقات الانتخابية) محمد ولد الشيخ الغزواني توجد فرضية أن المرحلة السياسية والأمنية في منطقة الساحل والصحراء؛تتطلب اختيار رئيس ذا خبرة في المجال الأمني، وتجربة في الميدان السياسي، وصفات أخرى ذات صلة؛ يجدونها -ولهم ما يبرر موقفهم- كامِنة في الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، حصراً.
ولئن كان هذا الخطاب وجيها إلى حد كبير في الحيز الدعائي الشعبوي، فإنه يمثل بحد ذاته التزاما بحِمل ثقيل وعبء يوقع على كاهل صاحب الفخامة خلال مأمورية الخمس سنوات القادمة من عمر البلاد، وقد يكون بمنزلة "الأزمة العالمية المرافقة لكورونا وحرب أوكرانيا، والتي أعاقت جزئيا مسار التنمية، لكن تعافى منها العالم وظلت على مدى 3 سنوات لاحقة؛ شماعة يعلق عليها المناصرون كل تقصير أو عدم إنجاز خلال مأموريتنا المنقضية.
ما يعود عليه ضمير البيان هنا هو أن أزمة الساحل والصحراء المحيطة بنا؛ لا تحتاج -وفق المعطيات المرصودة أمميا والمنشورة أكاديميا- إلى خبرة أمنية وحسب في تدبيرها وإن كانت مهمة، بقدر ما تحتاج كيانا قائما بذاته، قويا، قادرا على امتصاص الأزمات والتأقلم مع الطوارئ، وإنْ على حساب المغريات، وبناء على ذلك فإن دعاية الخيار المناسب للمرحلة؛ حمل ثقيل من ثلاث زوايا:
1- صرفٌ لنقاش وتداول مسألة وطنية حساسة إلى ميدان غير ميدانها، وهو ما قد يمهد لتجاسر العقلية الجمعية للشعب والمرشحين أو بعضهم على مقدس الأمن والدفاع.
2- تُحمِّلُ هذه الفلسفةُ بالإضافة للاتزامات رئاسة الاتحاد الإفريقي؛ النظامَ القادم تبعات مشاكل سياسية وعسكرية ومتغيرات في المنطقة، وربما الوطن؛ غير قابلة للاستشراف، صعبة التناول والعلاج، مما قد يجعل النظام خلال فترة ما مطالبا بما لا يملك أو يستطيع، وذلك نتيجة تسويق المناصرين خلال الحملة الانتخابية فلسفة "الأهلية الكاملة، والرجل الأمثل الذي لا يقهر". وهي فلسفة قد تسهم في الإقناع مرحليا، لكنها لن تعين في تسيير ملف مشكل، بل ربما تزيده تعقيدا.
3- يدفع شعار رجل المرحلة الرئيس، أو النظام بشكل أدق، خلال المأمورية القادمة إلى التموقع مرغما، وتبنٍ حتمي لخيار البقاء في الحضن الفرنسي الأمريكي، ومغادرة المنطقة شبه الرمادية التي تموقعت بها بلادنا، وإن تصنعا، خلال المأمورية المنقضية. يأتي ذلك في حقبةٍ فرنسا فيها معزولة إفريقيا ونفوذها في انحسار شعبيا وسياسيا، وتشبهها في ذلك أمريكا إلى حد ما، إضافة إلى أن هذا الخيار سيكون من الصعوبة بمكانٍ تبنيه والصبر عليه والعمل بمقتضياته في ظل الظروف العالمية المضطربة، الإفريقية المختلطة، الإقليمية الملتهبة.
إلى ذلك؛ تؤشر معطيات الواقع وحقائق التاريخ والجغرافيا؛ إلى أن موريتانيا، بكل مرشحيها، معنية بأن تجعل الأمن والاستقرار وقضايا السيادة والدفاع؛ أولوية مشتركة، وكلية وطنية راسخة، غير قابلة للمزايدة. لأن الغُنم فيها للوطن، والغرم -لا قدر الله- على الجميع؛ يتساوى فيه صاحب الدار المكتملة في لاسبالماس، والأخرى قيد البناء في داكار، وصاحب المنزل العامر في انبيكة لحواش.