كثر الكلام حول مشاركة بعض الأحزاب السياسية المناضلة من أجل التغيير والمنتمية لتحالف سياسي مرحلي أطلق عليه (منسقية المعارضة الديمقراطية) هل يحق لتلك الأحزاب أن تشارك في انتخابات لم تجمع المنسقية علي المشاركة فيها وفشل حوارها مع النظام بشأن تنظيمها؟
وهل تعني مشاركتها خروجا علي ميثاق الشرف وانقلابا علي الديمقراطية وعار وردة ووو...............؟ أم أن تلك المشاركة ضرورية للممارسة الديمقراطية وواجب وطني واستحقاق دستوري، أملتها معطيات داخلية وموضوعية؟
توليت مواقع نضالية مشرفة لي في تنظيم منسقية المعارضة الديمقراطية في اللجنة الإعلامية والأمانة الدائمة وكنت قريبا من دائرة اتخاذ القرار في الهيئات القيادية وفي مجلس الرؤساء . لذلك أردت أن أوضح بعض الأمور التي يبدوا أن البعض لا يفهمها بشكل واضح أو لا تتوفر لديه معطيات كافية عنها .
أولا: نبذة من تاريخ منسقية المعارضة الديمقراطية
كانت جبهة المعارضة الديمقراطية هي أقوي إطار سياسي معارض عرفته البلاد منذ الإطاحة بالنظام المدني الديمقراطي المنتخب إثر انقلاب 6/6 وكانت أحزاب تلك الجبهة (التحالف وتواصل واتحاد قوي التقدم......) هي الأكثر استماتة في الدفاع عن الشرعية وتعرضا للمضايقة والعنق اللفظي والمادي في حين كانت أحزاب أخري تسوق لحركة تصحيحية (اعترف صاحبها - في مابعد- بمدينة النعمة أنها لم تكن سوي انقلاب)
ثم جاء اتفاق دكار الذي قاده رئيس حزب اتحاد قوي التقدم باقتدار بمعاونة نفس شركاء انتخابات اليوم (تواصل، التحالف) وتحقق للمعارضة ما تحقق وإن كان غير كاف لكنه هو "المتاح" نتيجة مناخ دولي وأوضاع محلية وثقافة مجتمعية .
ثانيا: مستوي التجانس بين أحزاب المنسقية
تكونت منسقية المعارضة الديمقراطية من كل حزب أو فرد أو مجموعة كره نظام حكم محمد ولد عبد العزيز مهما كانت دوافع كراهيته ( موقف مبدئي ،تصفية حساب ،عدم توظيف ، إقصاء ، مضايقة من أي نوع ).
ثالثا: التفاوت الكبير بين قدرات الأحزاب وأحجامها السياسية الحقيقية
كان التوافق الداخلي قد فرض (في وقت ما) أن تتخذ القرارات بالإجماع ، مما شكل حيفا وظلما شعرت به الأحزاب الكبيرة وإن لم تعبير عنه صراحة إلا أنه انعكس في بعض التصرفات (كالمهرجانات الإنفرادية الحاشدة والتمويلات الكبيرة للنشاطات الخاصة في مقابل عجز المنسقية عن الحشد الكبير مؤخرا وعن تمويل أنشطتها )
رابعا : الأجندة المختلفة للأحزاب
من الواضح أن الإنتخابات هي الإمتحان الكبير للديمقراطية وهو المحطة التي تقف عندها كل الطموحات والمزايدات وهو المحك الذي يفرز الأوزان والأحجام الحقيقية لذلك فمن المعلوم أنه توجد أحزاب تعاني أوضاعا صعبة تنظيميا وماديا وحتي شعبيا لذلك لن يكون من مصلحتها دخول امتحانات قاسية وفي ظروف تنافسية هي الأكثر شراسة وقوة . وهناك أحزاب أخري تتمتع بأوزان كبيرة قد لا تسني لها الفرصة لإثبات الجدارة بعد أن غدرت من الداخل وانسحب منها الكثيرون ولم تعد قادرة علي استعادة تلك الأوزان مما يحتم عليها معارضة المشاركة بشدة وحرص معبرين.
أحزاب أخري تستشعر القوة والقدرة علي المواجهة وتريد أن تمتحن قوتها المتجددة لذلك تدافع باستماتة عن مشاركتها في الإنتخابات
خامسا: إكراهات الديمقراطية
الديمقراطية هي حكم الشعب والأحزاب الديمقراطية لا تحكمها التحالفات السياسية المرحلية ولا رغبة الرؤساء والأشخاص وإنما قواعد اللعبة الديمقراطية تقتضي أن تحسم القواعد الشعبية للأحزاب القرارات المصيرية ولا تتركها بين يدي أجندة الآخرين وحساباتهم ، لذلك فإن رغبة الرؤساء شيء وقرارات الأحزاب الديمقراطية شيء آخر .
لقد اختارت هيئات وقواعد حزبي تواصل واتحاد قوي التقدم (وأستطيع أن أضيف إليهما حزب الإتحاد والتغيير الموريتاني : حاتم ) أن تدخل المنافسة الإنتخابية ونجح حزب تواصل في أن يكون سباقا لحسم الموقف والدخول بقوة ثم جاء قرار اتحاد قوي التقدم متأخرا قليلا ولكنه معبر عن مستوي الممارسة الديمقراطية داخل الحزب الذي يرفض رئيسه المشاركة ويشعر بحرج شديد (فقد قاد حوار المعارضة مع النظام) .... لكنها الديمقراطية
أما حزب حاتم فقد ضيع الوقت وانساق وراء قرار لتحالف سياسي تكتيكي ومؤقت لا يعبر عن رغبة غالبية الحاتميين وهم الأولي باتخاذ قرار المقاطعة أو المشاركة
لكننا لابد أن نسجل هنا تعنت النظام واستبداده وقطرسته وبعده الشديد عن النهج الديمقراطي الحقيقي .
لقد كان رفض النظام تأجيل الانتخابات (إلا بطلب مذل من المنسقية) سلوك عسكري متعجرف وغير ديمقراطي .
إن ما نستنتجه هو أن المشارك والمقاطع من أحزاب منسقية المعارضة الديمقراطية كلاهما حزب سياسي معارض يجب أن لا يتأثر بمواقف غيره من الأحزاب وأن يواصل مسيرته وفق إرادة منتسبيه أما الإئتلاف الناظم للمعارضة: "فلرب ضارة نافعة" ..