رغم كثرة الأحزاب السياسية في موريتانيا، وتعدد مشاربها، وأيديولوجياتها، إلا أن هذ الكثرة، وذلك التعدد، لا يساويهما إلا غياب البرامج بالمعنى المعروف، وانعدام الروح الحزبية، والمبدئية في اتخاذ القرار، والثبات على المواقف.
صحيح أن الانتماء السياسي حق مكفول لكل شخص، فمن حقه أن ينضم لمن يقتنع به من الأحزاب، لكن كثرة التنقلات، والترحال السياسي بلغ درجة تجعل الثقافة الحزبية عندنا أقرب إلى "المسرحية الهزلية" منها إلى الثقافة الحزبية المعروفة. إنه من الغريب أن يتنقل الشخص الواحد بين عدة أحزاب خلال أشهر، أو أسابيع، وأحيانا خلال ساعات، أما أن يمسي معارضا، ويصبح مواليا، أو العكس فتلك عادة باتت من أدبياتنا السياسية.
الخارطة السياسة عموما، والحزبية خاصة تشهد هذه الأيام هجرة، وهجرة مضادة، في رحلة معيارها الوحيد هو المصلحة الشخصية، وطريقتها هي الانتهازية، فقد ينتقل البعض من أقصى اليمين، إلى أقصى الشمال، في بضع دقائق، فالأمر لا يتطلب أكثر من فترة طباعة بيان الانسحاب، والانضمام، أما المبررات فباتت تتشابه هي الأخرى.
حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الحاكم) وحزب (تواصل) المعارض هما أبرز الأطراف المشاركة في حرب الانسحابات، والانضمامات، وبعد قرار بعض أحزاب المنسقية القاضي بمقاطعة الانتخابات بدأت تلك الأحزاب (المقاطعة) تتبخر، وبدأ رموزها، وكوادرها يلملمون أوراقهم، ويحزمون حقائبهم في اتجاه "من يدفع أكثر" بحثا عم منصب انتخابي، أو إداري، لم تعد توفره أحزابهم.
أعتقد أن إشكاليتنا السياسية الكبرى هي أن أصحاب المبادئ- على قلتهم- لا يحكمون، وأصحاب الحكم، وقادة الأحزاب يغلبون المصلحة – كما تبدو لهم- على المبادئ، وأحيانا على القيم، وبعضهم يضرب عرض الحائط برأي جماهير حزبه، بل ولا يستشيرها حتى قبل اتخاذ موقف حاسم، مكتفيا برأيه باعتباره القرار السليم في تجسيد لأسلوب فرعون " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" إن لم يكن الأمر كذلك كيف نفسر انقلاب مواقف بعض الأحزاب 180 درجة من بعض القضايا خلال ساعات، وبشكل مفاجئ وصادم ؟؟!!
المفارقة هنا هي أن النظام، ومن ثم الأغلبية يبدوان أكثر وضوحا، وانسجاما مع مواقفهما، ومبادئهما من أحزاب المنسقية، فالنظام يتخذ قرارات، ويعلنها، ويروج لها، ويدعو الجميع لتبنيها، ويدافع عنها، والأهم من كل ذلك يثبت عليها، في كثير من الأحيان، وهذه المواصفات غائبة عن أحزاب المنسقية، التي طبع التذبذب، والارتباك، والارتجالية أداءها السياسي في الفترة الأخيرة، بشكل أربك جمهورها، قبل أن يسبب الإرباك للمراقبين.
إن الأحزاب السياسية لا تقاس بأعمارها، ففي بعض الدول نشاهد أحزاب تؤسس، وبعد اشهر قليلة تحقق الأغلبية وتصبح في الحكم، بينما عندنا في موريتانيا أحزاب بلغت سن الرشد، ومع ذلك تعجز عن ضبط أمورها الداخلية، وتنظيم قراراتها، أحرى أن تقدم للدولة، والمجتمع مشروعا سياسيا متكاملا.