إن الذين يبحثون عن الفضيلة في ظل وارف ومحيط هادئ لمخطئون، فالظــل لا يريح الأعصاب وإنما يبعث على الارتخاء والهدوء لا يبعث على السكينة، وإنما يزرع الكسل، وتلك هي أمارات الثقوب البادية على ثيابنا السوداء..،
ولأنني لا أتحـدث عــن إحـدى روايـات إحسـان عبـد القـدوس التي حملت الرواية المصرية من المحلية إلى العالمية، فإنني سأتناول أغنية الشاب حمزة براين باعتبارها تشكل نقلة نوعية ومفاجأة للأغنية الموريتانية، وثورة بقوة الصورة على رتابة الجلسة وتعبير من شابة تنم حركتها عن تمـرد جــريء، على نفاق المجتمع.
لقــد امتطت “تاء” الخجل و”نون” “السحــوة” طويلا ليلى، وفجأة تمردت على وهم الفضيلة، .. حتى فقأ أداؤها العيـن اليمنى للرقيب،.. هو ليس سوى سيد مسكين يعمل في دائرة الأرتيكل11، كنا نحسبها مصلحة اندثرت قبل أن يصاب “آدم” لبرهة بجراثيم الدرن، هذه المشيئة التي بعثته من مرقده معتمرا مهمة حماية البنات من مجون أنواكشوط، وتفسخ ليلى و استـلاب حمزة، لــم تكن لله يـد فيها، لأن منظور –السيد آدم- يحتمي بسمات يسميها الفضيلة والعفة والشرف ويحتكرها خالصة لمجتمعنا، أو هكذا يـرى في عوره.
أصبحت، الجراثيم العابرة للحــدود، فيتـامينا لحراس الفضيلة والساعين إلى قطع الطريق أمام إفساد عفة المجتمع،.. قــد تتهدم المنابر لأن شابا غضا يرتدي معطفا أو قميصا كقميص براين! أو أن فتاة حسناء كليلى أبرزت مفاتن صدرها أو شعرها المسترسل!، أما المنصف من مواطني هذه المدينة، فقـد ظل متأكــدا أن الصورة والمضمون يخدمان فقط رسالة الفن، وأن الشارع مليء بالبنات الحسان والحاسرات عن رؤوسهن. وان تاريخ التصوير في هذا المجتمع مليء بالمشاهد الشبيهة، ولعل أقــدم مثال احتفظ به في إرشيفي الخاص بالصور العتيقة فيعــود بنا إلى العام 1903.
لا أنكــر قيمة الأخـلاق، ولا أهمية مراعاة القيــم في مضمون كل إنتاج فني رشيــد أو يراد له أن يكون كذلك، كما هو الحال في أغنية أنواكشوط المثيرة للجدل مؤخرا، غيــر أن وهــم الفضيلة الذي بات يطرق مسامعنا من قبل أناس يدعون الطهارة، ويحتمون بالدين زورا وكفرا برسالة الفن والإبـداع، بات أمرا يفرض علــينا أن نصدح بانحيازنا إلى هؤلاء المبدعين والذين يجب على عمدة الهيئة الحضرية لنواكشوط أن يضمهم إلى قائمة الشرف في مدينته وأن يسعى لإذاعة الأغنية في القنوات التلفزية الحرة والعامة، وعلى سكان العاصمة أن لا يخذلوا أصحاب العمل.
كنت أتحدث مع صــديق، منذ يومين حول الموضوع فنظر إلـي باستغراب ثم أنهي الحوار بأنني ”سقطت من عينه”، وعندما عبرت عن تعاطفي مع صناع الفيلم على صفحات التفاعل الاجتماعي كتبت إلي سيــدة “أَخْصَارْتَكْـ يا عبيد، هَذَا الْخَزُو مَا يُشَجَعْ أَعْلِيهْ وَمَا يُبَرَرْ”. لقــد كنت أعبر عن حريــة ليلى وحمزة في ارتداء تلك الملابس “المحتشمة”، ولــم أفتش أو أحاجج حول محتدهما، ولا عن أوساطهما الاجتماعية. فتلك أمور لا تخصني من قريب ولا من بعيـد..، لكنها فيما يبدو تندرج في صلب اهتمامات تنظيم “آدم”.
أما الكليب الغنائي، فقـد نجـح كثيرا بعـد أن فاقت نسب مشاهدته على “اليوتوب” كل التوقعات وكسبت الشركة المنتجة مزيدا من الأرباح إلى جانب السمعة الطيبة داخل الــوسط الفني، و لـربما يشكل العمل دفعا قويا للفنان الشباب حمزة براين، أو يكون “سعدا” على ليلى فينتشلها الفن من واقع أجبرها المجتمع غير “الفاضل” لتكون جزءا منه.
ومع كل ذلك، ما زال الجدل محتدما حول طهرنا الاجتماعي..، فيما آثر أصحاب العمل من المبدعين الاستناد إلى فضيلة السكوت وكأن مقولة ونستون تتحدث باسمهما : «لن تصل إلى غايتك إن توقفت لترمي الحجارة على كل كلب يعوي عليك».
قبل أن أكمل، وأنا أشفق على هؤلاء الناعقين خلف سراب الفضيــلة والعفـة؛ يا سادتي إنكم تتحدثون عن قيم ومصطلحات جديـدة على هذا المجتمع، تماما ككل البضائع والماركات والأفكار المستورة.
بقلم : عبيد إميجن كاتب ليبرالي-ديمقراطي