حسناء القاهرة / السالك ولد الشيخ

سيذكر مؤرخو ما يُقبل من الزمان أن حسناء كانت بمصر تدعى "حسناء القاهرة" ولد لها عدة أبناء بررة فربتهم أحسن تربية وقامت على تهذيب أخلا قهم وسلوكهم. وعلمتهم الصبر، والشجاعة، والبذل،والمروؤة، وإباء الضيم، والعفو عند المقدرة، وغير ذلك من أخلاق الرجال ...

وكانت كلما تقادم بها العهد ودفعت بها السنون، كلما ازدادت حسنا وبهاء وتعلقت بها قلوب الناس إذ لا جمال في المعمورة آن ذاك يضاهى جمالها فقد رزقها الله وسامة لم تتوفر لكثير من بنات جيلها، إضافة إلى ما تردته من ثياب الوقار وسمت المفلحات .

فها هىذى وقد نيفت سنينُها على الثمانين لا تزال تظهر بذلك المظهر الجميل الذى عهده الناس منذ زمن بعيد!.

بعد أن دخلت في هذه المرحلة الحاسمة من عمرها، حلت موجة طلاق هادرة ببنات عصرها (العجائز)، وبدأت أعناق المطلقين تتوق، وأعينهم تفتح شيئا فشيئا بحثا عن البديل لتلك العجائز، وبعثوا عرفاءهم يتفرسون جيل القرن الواحد والعشرين، وبعد هجعة قصيرة قفز أحد الباحثين وصرخ مستبشرا ومبشرا متسائلا: ألا تعرفون حسناء القاهرة؟!

فرد عليه أحدهم : ومن حسناء القاهرة ؟ فأجابهم، قاصا عليهم من مناقبها وبطولاتها وجمالها وأخلاقها.

فقالوا بصوت واحد: ذلك ما كنا نبغ!!.

عشق المصريون هذه "الحسناء" حد الهيامى وحاولوا عقد عرى وصل وثيقة معها، فرفضت غير الملتزمين، وأعلنتها واضحة أن الالتزام هو الثمن الوحيد الذى ينبغى دفعه من الأولى طلبوا فتح قنوات التصال معها.

وقديما قيل : إن: من يخطب الحسناء لم يغلها المهر

بينت "الحسناء" أن الالتزام لا يعنى التمذهب والانغلاق على الذات، وإنما يعنى سيادة المنهج الإسلامى وآدابه التى ترسُم أنه لا إكراه في الدين، وأن الدولة الإسلامية قد تعرف الآن في وقتها الحاضر مثلما عرفت في عهدها الماضى إبان إشراق فجر النبوة ــ قد تعرف: جماعات من المواطنين تختلف أيديولوجياتهم مع الاحترام المتبدل والحقوق المشتركة، مادام أن القانون العام السائد هو قانون الإسلام، إذ لو ساد قانون غير قانون الإسلام لتعطلت حقوق الآخرين وانكشف قصور ذلك القانون...

فهلل المصريون وكبروا : رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا.

ثارت ثائرة المتزمتين العصبيين العنصريين الذين يكرهون منهج الإسلام وأخلاق القرآن، ولم تثرهذه الثائرة في مصر فحسب؛ وإنما انطلقت شرارتها جمرا يَغلى ودخانا يُزكم الأنوف من كل أقطار العالم الذى يصفونه ب"الديمقراطى المتحرر"

جمعوا خيولهم، وعصيهم، وسيوفهم، ورماحهم، وفؤوسهم، واجتمعوا على قلب رجل واحد وجاءوا يهدمون ذلك الجبل الأشم من المكرمات، ويقطعون تلك الشجرة الطيبة التى كان أصلها ثابتا وفرعها في السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها.

تلك الشجرة الطيبةُ الأصل والثمر،التى غرستها "حسناءُ القاهرة".

عندها أرسلت "الحسناء" ضفائرها فى ميادين وشوارع مصر فهب المصريون هبة رجل واحد ، وحملوا أوراقهم وأقلامهم، وبدأت تُملى عليهم بأسلوبها الرشيق وصوتها العذب الشجى.

أخذوا عنها ودونوا للتاريخ صفحات مشرقة لم تتكرر، ولا سبق أن كتبتها الشعوب "المتمدنة المتحررة" في العصر الحديث فضلا عن العصور القديمة.

دامت هذه الدروس أكثر من أربعين يوما، وهدير المنابر لم يتوقف، وسيول الأمِـدَّة لا تزال تجرف اللوحات.

حينها كان صناع القرار في العالم يختنسون في غرفهم السائبة أمام شاشاتهم الضيقة يضعون أيديهم تحت عنافقهم الممسوحة، متعجبين من روعة هذه الدورة العالمية العالية في الصمود والأخلاق وتبين لهم كيف أنما تلقيه هذه "الحسناء" على الناس ساحر ومغر أكثر مما يتصور...

فدقوا نواقيس الخطر, وأطلقوا العنان أخرى لحمرهم الوحشية فحاصت الحمر "الوحشية" حيصتها من المدنيين المصريين، بل وتحولت هذه الحمر إلى حيوانات مفترسة تعشق شرب الدماء ورائحتها، وأوغلت في ذلك حتى بدا وكأن هذه العاصمة التى عرفت الحضارة منذ أزمان موغلة في القدم بدا، وكأنها: (غابة) لا حياة فيها إلا لأرباب المخالب والأنياب والمناقير والمقاريع والإبر الوخازة؛ لكن أنى لهم أن يحققوا ما أرادوا:

﴿يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكفرون هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون﴾

6. أكتوبر 2013 - 10:49

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا