في التقدير العاطفي ليس الوقت مناسبا لفتحالملف النقدي للمعارضة الموريتانية فهي تعيش لحظة ليست من أكثر لحظاتها عنفوانا،لكن بالحساب الوطني والأخلاقي والسياسي هذا هو الوقت بل لعله آخره ما يجعل أي تأخر إضافي داخلا في تأخير البيان عن وقت الحاجة.
بكلتأكيد لايعني فتح الملف النقدي تجاهلا للأدوار الوطنية التي لعبتها هذه المعارضةفي مقارعة الطغيان على مدى خمسة عقود، فهي مشهودة ومقدرة ومحفوظ للكل دوره فيهاعند الله وعند الناس، لكنه يعني توقفا واجبا مع الأزمة المزمنة لهذه المعارضةوتعثراتها وإخفاقاتها وطعناتها المتبادلة للحلم الديمقراطي.
التوقف مع أزمة المعارضة ليس حديثا مدفوعابتطورات اللحظة ولاهو صادر عن رغبة في التنفيس أو تسجيل موقف من هذا الطرف أو ذاكلكنه مؤسس على وعي متراكم وعميق بدور هذه الأزمة في تعميق وتمديد أزمتنا الوطنية الأعمق والأشمل والتي يمثل حكم العسكرعنوانها الرئيس المفجع المهين.
خلاصة أزمة معارضتنا الوطنية هي طغيان الحساباتالحزبية الجزئية – حتى لا أقول الضيقة - على الحسابات الوطنية، وقصر واضطراب وحتى انعدام الرؤية أحيانا لدىمكوناتها الأساسية، وهو ما كان دائما كفيلا بإجهاض التغيير في مسار طويل بدأت أحداثه في نهاية التسعينات وما تزالمستمرة حتى يومنا هذا ولا مؤشر يقول أن أيا من هذه المكونات أو أنها مجتمعةاستخلصت الدرس وبالتالى وضعت رجلها على طريق الألف ميل.
- فينهاية التسعينات وبينما كان نظام ولد الطايع يتوغل أكثر في الدوس على الحرياتوالحرمات كان هناك من المعارضة الديمقراطية من بذل جهدا فكريا وسياسيا وعمليا لتسويق فكرة المساومةمعه.
-وفي العام 2005 وبينما كانت حصيلة نضالات الموريتانيين على مدى عشرين سنةترغم مقربين من العقيد ولد الطايع على الإطاحة به، وكانت الفرصة مواتية لفرض شروطانتقال ديمقراطي حقيقي كانت الحسابات الجزئية والانتخابية هي الطاغية على مختلفمكونات الطيف المعارض مما مكن العسكر منترتيب أوراقهم والظهور خلال أشهر عديدة بمعالم نظام جديدة عنوانه المستقلون، فتمتسرقة الثورة الموريتانية على حكم العسكر التي دارت وقائعها بين نهاية الثمانيناتوصيف العام 2005.
- وفي العام 2007 وفي وقت كانت الرغبة فيالتغيير تفرض على المرشح المدعوم من العسكر الوصول إلى الشوط الثاني من الانتخاباتالرئاسية كانت الحسابات الحزبية تميل الكفة لصالح اختيار العسكر ليتوارى الحلمالديقراطي مرة أخرى تحت مطرقة الحسابات الخاصة. -وفي العام 2008؛ حين كان الجنرالات ينقلبون بعنجهية على التجربة الديمقراطية كانهناك من وجد الوقت مناسبا للقفز في المدرعة العسكرية والإعلان منها أن ما يقوم بهالجيش هو حركة تصحيحية مباركة لتستقر طعنة جديدة في قلب الحلم الجريح
-وفي العام 2009 وبعد عشرة أشهر من الرفض المصصم وغير المسبوق للانقلاب العسكريوقعت قوى المعارضة مجتمعة في الفخ موقعة في دكار وثيقة تسليم الأمر والحكم للعسكر،لتعود إلى نواكشوط دافعة بمرشحين مختلفين ولتكون نهاية السباق تقديم أحد مكوناتها تزكية متسرعة ومجانية لعملية الخداع الكبيرةالتي سميت انتخابا مسددا بذلك سهما مسموما لذات الحلم المنكوب.
-وفي العام2011 وفي لحظة انبلاج فجر الحرية في المنطقة – جنوبا وشمالا –وبينما كان آلافالشباب الموريتاني ينخرط في حراك شبابي غير مسبوق، أنتجت بيئة المعارضة المأزومةمن وجده الشباب الثوار أكثر استعداد لتشويههم والتشكيك في نياتهم وتسفيه أحلامهم من الجنرالات أنفسهم.
-وفي العام 2012 وفيما كانت بعض قوى المنسقية تعمل وتدفع في اتجاه ثورة شعبية شاملةتطيح بحكم العسكر، كان هناك في صلب المنسقية نفسها من لم يعجبه الأمر واستيقظتعنده هواجس لاتحصى جعلته في النهاية يضع الدواليب في مسيرة ما كان يمكن أن يكونبداية حقيقية لثورة شعبية تطهر موريتانيا من حكم العسكر.
-واليوم وفي نهاية العام 2013 هانحن أمام المشهد نفسه الذي يتكرر منذ عقدين من الزمن ؛مكونان من مكونات المعارضة يختاران في لحظةمهمة الانحياز لحساباتهما الجزئية على حساب الحلم الديمقراطي، والجهد الديمقراطيالساعي لعزل حكم العسكر تمهيدا للتخلص منهم وإقامة النظام الديمقراطي العادل
لاحظتمإذا أننا أمام مسار وطبيعة لكل المكوناتالمشكلة للمعارضة الديمقراطية في موريتانيا ،ولسنا أمام حالات معزولة وهذا مايجعل وصفه بالأزمة العميقة ووصم المعارضة بالمأزومة أمرا لاتسرع فيهولاجناية، وهنا لابد من تضافر جهود وطنية صادقة لفهم هذه الحالة المؤسفة أولاوالعمل على وضع حد لها ثانيا فقد باتت جزءأساسيا من معول هدم الأمل في إمكانية تغيير أحوالنا إلى الأفضل ما دام أن من يعلقعليهم الأمل في ذلك منخرطون في ماراتون الطعن في خاصرة الحلم الديمقراطي