القنبلة الأخلاقية.. ووسائل الدفاع / سعدبوه ولد الشيخ محمد

altمشهد أغرب إلى الخيال...أن تتفرج على فتاة موريتانية (بيظانية) تتحدث الحسانية بطلاقة، ولكن لاشيء آخر يوحي أنها من هذا المجتمع "بلاد المنارة والرباط" لقد أثار هذا الفيديو لمن تسمى الفنانة "ليلى" جدلا واسعا – خصوصا على صفحات التواصل الاجتماعي- .

وقد اطلعت على الفيديو، وعلى كثير من التعليقات التي نشرت عنه، وأغلبها يتراوح بين الرفض والتنديد، بل والدعوة لقتل "الفنانة المغمورة" والإشادة والتشجيع لما أقدمت عليه.... لكن أظن أن كل هذه التعليقات تظل سطحية، وتنظر إلى أعراض المرض، وتتجاهل أسبابه، أو لنقل تحاول وقف الدخان، دون الوصول إلى مصدر النار .

إن من يمعن النظر في الفيديو، والمقابلة التي أعقبته، ويكون لديه أدنى إلمام بالإخراج، والمونتاج، والدعاية يدرك بوضوح أن هذا الفيديو ليس إلا شجرة تخفي وراءها غابة كبيرة، فالتقنيات الحديثة المستخدمة، في التصوير، والإضاءة، والمونتاج... تقنيات مهنية، وحتى الديكور، والملابس، ليست من وحي ثقافة "البيظان" والأهم من ذلك أن هذا الفيديو، لا يمكن إنتاجه إلا بتمويل معتبر، ناهيك عن أن مضمونه لا يمكن أن تتجرأ عليه، وتصر عليه فتاة عادية، إلا أن تكون وراءها قوة تدفعها، وتحميها.

إذا أكاد أجزم أن فكرة هذا الفيديو، وطريقة إنتاجه، وتسويقه تقف وراءها جهة، أوجهات تملك المال، والنفوذ، هذا متأكد منه، وربما الفتاة "ليلى" مجرد ممثلة، رسم لها دور وقامت به، وعليه فأتوقع أن يكون هذا الفيديو بمثابة "بالون اختبار" تطلقه تلك الجهة لقياس ردود الفعل الرسمية، والشعبية عليه، قبل أن تقوم بإنتاج عمل آخر، أو قنبلة أخرى موجهة إلى منظومة قيم، وأخلاق هذا المجتمع.

كم هو غريب مجتمعنا، وكم هي أغرب نخبنا، وكم هم متناقضون مثقفونا..بالأمس القريب قام بيرام ولد اعبيدي بإحراق نسخ من بعض المتون الفقهية ..قامت الدنيا، ولم تقعد، وتحركت الدولة رئيسا، وحكومة، وشعبا، وإعلاما، وعلماء....الخ

واليوم تتعرض المنظمومة القيمة لضربة بالتأكيد هي أقوى، وأخطر بأضعاف مضاعفة على المدى البعيد مما قام به بيرام ولد اعبيدي، وذلك ببساطة لأن حرق الكتب عمل قد لا يقلده أحد، بعكس مضمون، وشكل فيديو "ليلى" الذي يخاطب الشباب بما يفهمون، ويعزف على وتر حساس، ومع ذلك لم تخرج "فتوى" رسمية، أو غير رسمية حول الموضوع.

المجتمع هو أكبر المتضررين من هذه "المؤامرة" رغم أنني لا أقدس نظرية المؤامرة، وبالتالي فالمجتمع هو المسؤول عن ظهور مثل هذه الممارسات، والتصدي لها كذلك، ووأدها في المهد، حتى لا تستفحل، ويعم خطرها.

أنا شخصيا لا أرى الحل في اعتقال الفتاة المغمورة "ليلى" ولا في قتلها، بل أظن أن الحلول ينبغي البحث عنها في معالجة البيئة التي سمحت بظهور مثل هذه الحالة، البيئة بالمفهوم العام، الأسرة، والمحيط، والثقافة، والتربية.....الخ ومن هنا تبدأ الحلول، أما الجبهة الأخرى التي ينبغي العمل عليها فهي: البحث عن من يقف وراء "ليلى" ووقفه عند حده، وإبلاغه رسالة واضحة مفادها أن قيمنا، وديننا، وثقافتنا خط أحمر!!!!

إذاما نجحنا كدولة، وكمجتمع في العمل على هاتين الجبهتين سينحصر تأثير هذه الظاهرة، ونقضي عليها في مهدها، وإذا ما تجاهلنا الموضوع، وقللنا من شأنه، ستظهر لنا بعد ليلى، بثينه، وسعاد، وعزة، وخولة........ ولكن بحلة لم نعهدها !!!.

8. أكتوبر 2013 - 2:01

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا