يتداول في هذه الأيام كلام كثير مثير أحيانا عن موقف حزب تقدم (اتحاد قوى التقدم) من الانتخابات المرتقبة، ويحاول البعض تصوير الجدل الحزبي على مستوى "تقدم" على أنه خلاف أجنحة داخل هذا الحزب، ومع أنني لا أوافق إطلاقا على نفي الخلاف عن العمل البشري
(وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا)صدق الله العظيم، لكن هذا الحزب الذي تمخض عن تجربة الكادحين النضالية السلمية، المثيرة للجدل بين معجب ومنتقد، يتمتع بخبرة كبيرة في ميدان العمل السياسي، تستند إلى هذا السَجل النضالي الطويل.
ورغم أنني لست كادحا بالمعنى الأيديولوجي التقليدي، وإنما كادح إلى ربي كدحا للحصول على رضوانه والجنة ، عبر المشاركة في تجسيد مشروع إسلامي يسع الجميع، دون تمييز أو إقصاء لأحد، إلا أنني أسجل هنا إعجابي بجوانب كثيرة من تجربة الكادحين في هذا البلد، سواء ماقبل إنشاء حزب "تقدم"، أو بعد ظهور هذا الحزب ، المحرك للأمل في الخلاص من النظم الاستبدادية (سواء كانت ذات طابع اجتماعي، أو كهنوتي، أوسلطوي انقلابي، أو غيره من أنماط ظلم بعض عباده لبعضهم).
إن الطابع الغالب على تجربة الكادحين، رغم بعض الإختراقات التاريخية القسرية أو المقصودة عن قصد وتخطيط لغرض في نفس يعقوب ،هو التكتم والتخطيط، والبراعة في الوصول للأهداف والغايات المرسومة.
وعموما للداعين لمقاطعة الانتخابات، سواء كانوا أقلية أم اكثرية داخل قيادة الحزب مبرراتهم، وللمساندين للمشاركة كذلك مسوغاتهم.
وسواء رجح هذا الاتجاه أو ذاك، فهو خلاف عابر، بسيط لا يفسد للود قضية، وينبغي أن لا يؤثر على علاقات الرفاق، أو الإخوة من ذوي الطابع العروبي أو الإسلامي، بمعنى الإطلاق السياسي المتعارف عليه.
فمن باب أولى تعريض وحدة صف الحزب لأي تصدع، بسبب تجربة اقتراع غير شفاف ولا نزيه في ظل حكم استبدادي انقلابي.
فإن شاركنا أو لم نشارك فالأمران متقاربان في الميزان، أما وحدة الحزب فهي الأولى، قبل وبعد حسم الموضوع الاستحقاقي الانتخابي المثير الهش.
ومن جهة ثانية لرئيس حزبنا الحق في الاحتفاظ بأي موقف من الاستحقاق المنتظر، أو تغيير هذا الموقف بناء على المصلحة الحزبية والوطنية.
فالرئيس الرمز محمد ولد مولود كان يقود الحوار ولا غرابة في توجهه ـ المروج له ـ لمقاطعة الانتخابات، فهو المحاور الرئيسي ـ في هذا الظرف ـ مع النظام القائم، باسم أحزاب المنسقية كلها، توخيا لمصلحة وطنية جامعة، تشمل جميع المواطنين الموريتانيين، مواليين كانوا أو معارضين، أو محايدين، وتطلب، تلك المصلحة الوطنية الجامعة في هذا الظرف السياسي الدقيق المتموج، محليا وإقليميا وعربيا ودوليا.
فالاولى ان لا يلام المقاطعون ولاالمشاركون على مستوى المنسقية، والأنفع للجميع أن تتوقف عملية التخوين والتشكيك المبالغ فيها، من داخل الحزب أو خارجه.
والأمين العام المناضل الوطني المخضرم محمد المصطفى ولد بدر الدين وصحبه في اللجنة الدائمة ما دفعهم قطعا إلا اجتهاد من أجل المصلحة الحزبية والوطنية، والوزير والوالي الشجاع محمد ولد اخليل، ما حركه كذلك إلا طلب الخلاص السلمي من براثين الحكم الانقلابي الراهن، الذي ظلم وأقصى أغلب أهل هذا الوطن.
إنما يجري في نظري لا يعدو كونه سحابة خلاف حضاري عابر، مهما ظهرت بعض أصدائه في الإعلام، أو حاولت بعض الأقلام الإعلامية الشابة المراهقة، المحسوبة على النظام أو بعض أجنحة المنسقية، استغلاله خدمة لتوجه سياسي معين، أو ظرف انتخابي متجاوز(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ).
وأما الإدعاء بأن هذا الحزب حزب وطني للجميع، ولا يحسب لطرف سياسي أو أيديولوجي دون آخر، فهذا صحيح نظريا، وهو المفترض في النظم القانونية المسيرة لجميع الأحزاب الموريتانية، لكن واقع كل حزب وتاريخ مؤسسيه يلزم الوافدين بضرورات التعايش واللباقة.