المبدئية السياسية: حزب "تواصل" نموذجا / حمود محمد الفاظل

كثرت الكتابات والتدوينات التي تقول بأن حزب "تواصل" خان مبادئه بعد إعلانه المشاركة في الانتخابات البلدية والتشريعية المقبلة، فانتشرت أوصاف الخيانة ونقض العهد في كثير من الكتابات والتدوينات بعضها جاء من ساسة وكُتّاب كبار،ولو بقي ذلك في إطار القول بأن قرار الحزب قرار خاطئ وغير مناسب للحظة السياسية الراهنة لكان ذلك مقبولا وطبيعيا لكن وضعه في دائرة "نقض المبادئ" و"خيانة العهد" يستلزم توضيح بعض الأمور.

من يقرأ في نصوص الحزب سيجد أن للحزب ثلاث مبادئ هي: المرجعية الإسلامية، الانتساب الوطني، الخيار الديمقراطي، ولا أعتقد أن قرار المشاركة في الانتخابات يخرم أحد هذه المبادئ أو يناقضه، حين يساند "تواصل" -مثلا-انقلابا عسكريا ويسوّقه للداخل والخارج على أنه حركة تصحيحية يكون بذلك قد ناقض مبدأ "الخيار الديمقراطي" أما غير ذلك (كالمشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها وبناء التحالفات السياسية ...الخ) فهي كلها تقديرات سياسية يوازن فيها الحزب بين المصالح والمفاسد ويحسم قراره النهائي فيها بالتصويت وهو قرار يحتمل الخطأ والصواب كشأن كل التقديرات السياسية ولكنه يتم وفق آليات ديمقراطية.

هناك بعض الكتاب والمدونين يؤسسون رؤيتهم النقدية لقرار الحزب الأخير على صورة نظرية مثالية ليس هذا محلها، كقول بعضهم "يريدون إقناعنا بأنهم أصحاب مبادئ ، كلاّ كيف نقتنع بذلك وقد شاهدناهم في البرلمان وفي الشارع يطالبون برحيل النظام وهم الآن يشاركونه انتخاباته".

هذا تأسيس مثالي لا ينتمي للواقعية السياسية ويفترض افتراضات تناقض مفهوم العمل السياسي من أصله وهو أقرب لسياق العمل النضالي الثوري منه لعمل سياسي قائم على تقديرات وترجيحات تتأثر كثيرا بالمتغيرات السياسية، ليست هناك مثالية في العمل السياسي، وحتى دائرة المبادئ والثوابت قليلة جدا بالمقارنة مع دائرة المتغيرات السياسية.

بالنظر إلى كل ذلك ووضعا للأمور في سياقها الطبيعي يمكن القول بأن قرار"تواصل" الأخير المشاركة في الانتخابات ليس مناقضا لمبادئه، وأكثر ما يمكن أن ننتقده به هو أنه قرار خاطئ بالنظر إلى توقيته وملابساته وهذا رأي له حظ من النظر والتقدير بل قال به بعض أعضاء المكتب السياسي لحزب "تواصل" ولا يزال رأيَهم الخاص حتى الآن لكنه لم يعد موقفهم السياسي بعد الحسم بالتصويت، وهناك فرق بين الرأي الشخصي والموقف الجماعي.

علينا إذن أن نفرق بين دائرة المبادئ وغيرها حين الحديث عن قرار "تواصل" المشاركة في الانتخابات ولا أحد ينكر أن القرار ليس من أكثر قرارات الحزب وضوحا حيث استمر نقاشه جلسات طويلة وشهد انقساما معتبرا في وجهات النظر، لكن ومما يحسب لتواصل أن مؤسسيته تصُون قراراته فلولا ذلك لشهد الحزب اليوم انقساما أو تفككا.

أما حديث البعض عن ميثاق المنسقية وأن "تواصل" نقضه فهذا غير دقيق ويكفي للرد على ذلك ما كتبه رئيس حزب "تواصل" محمد جميل منصور على حسابه في التويتر بخصوص موقف الحزب الأخير وهو ما أكده أيضا في مقابلة له مع قناة الساحل،ففي رده على سؤال يتعلق بفقرة من نص ميثاق المنسقية جاء فيها"توحيد مواقف أعضائها اتجاه مختلف القضايا الوطنية الأساسية، و الكف عن الانزلاق في مسارات انفرادية، أثبتت تجارب الماضي عدم نجاعتها" أجاب بأن الميثاق وثيقة سياسية تحيل للنظام الداخلي للمنسقية والذي ينص على أن قرارات المنسقية لكي تكون اجماعية لا بد فيها من موافقة جميع الأحزاب وهو ما حصل فعلا في الموقف من انتخابات 13 اكتوبر حيث أجمعت أحزاب المنسقية على مقاطعتها أما انتخابات 23 نوفمبر فلم يحصل موقف اجماعي لأن أحد الأحزاب رفض مقاطعة الانتخابات وبالتالي لم يحصل الإجماع أصلا حتى يتم الحديث عن نقضه أو الخروج عليه كما هو متداول كثيرا في المشهد الإعلامي.

الخلاصة هنا أن قرار تواصل الأخير ليس خرقا للمبادئ لأنه لاينتمي أصلا لدائرة المبادئ ولا نقضا للعهد لأنه لم يخالف ميثاق المنسقية الذي وقع عليه الحزب،القرار باختصار ينتمي إلى دائرة التكتيكات السياسية التي توازن وترجح بين المصالح والمفاسد في حدود المعطيات السياسية المتوفرة لذلك يمكن نقده في هذا السياق باعتباره تكتيكا سياسيا خاطئا جاء في وقت وسياق غير مناسب وهذا نقد مفهوم وله مبررات واضحة ولا ينبغي للتواصليين التذمر منه لأنه وضع للقرار في دائرته الصحيحة وهي دائرة التكتيكات السياسية والتي هي بطبيعة الحال دائرة اجتهادية تتأثر بمعطيات الواقع واتجاه الكتلة التصويتية للأحزاب وسيساعد تطور الأحداث السياسية على التقييم الصحيح لقرار حزب "تواصل" الأخير قبل ذلك يحسن بالمنتمين لأحزاب المنسقية من كتاب ومدونين وحتى الكتاب المستقلين انتهاج نقد موضوعي بعيدا عن التخوين والغمز واللمز وعليهم التركيز على أساس المشكل وهو الحكم العسكري الاستبدادي ومواصلة مقارعته بالانتخاب أو بالمقاطعة وهي كلها تكتيكات سياسية مفهومة تستند إلى معطيات سياسية موضوعية.

8. أكتوبر 2013 - 20:35

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا