حديث عن الفن والإبداع ! / إخليهن ولد محمد الأمين

altتوجد مساحات كثيرة في الحياة غير مساحة الشهوة والجسد بإمكانها أن تكون مجالا خصبا لتأملات الأدباء وخيالاتهم، ولعبقرية الفنانين ولمساتهم الإبداعية الراقية التي تسمو بالذوق وترقق الإحساس.

صحيح أن الشهوة جزء هام من كيان الإنسان، لا يمكن تجاهله، ولكن الذي نعيبه ليس هو تناول الأديب أو الفنان للشهوة وللحظات الضعف الإنساني، وإنما الذي نعيبه هو أن يقتصر أدب الأديب أو فن الفنان على إبراز تلك اللحظات وتصويرها كأنها هي كل الحياة.

إن الحياة فيها فضائل كما أن فيها رذائل، وفيها لحظات سمو كما أن فيها لحظات ضعف .. والأديب أو الفنان الذي لا يرى إلا لحظات الضعف وحالات الانحطاط الإنساني، هو إنسان مصاب بالهوس الجنسي.

إن مناظر العري والغنج الأنثوي، ومشاهد الجوانب الحيوانية في الإنسان ليست فنا يسمو بالذوق ويرقق الإحساس، ولا يمكن أن تكون تقدما يلزم استحسانه .. بل هي ردة إلى العصور البدائية يوم كانت بعض الشعوب تلبس فيها أوراق الشجر.

إن الإنسانية الراقية هي تلك التي تتسامى على نوازع الشر وتترفع عن الأشياء التي أجمع العقلاء على رذالتها وخستها وعلى أنها تهبط بالإنسان من منزلة التكريم الإلهي إلى درك العجماوات.

والإنسانية الراقية هي تلك التي لا تتنازل عن مكتسباتها في مجال القيم والأخلاق، ولا تقبل من أحد أن يتطاول عليها أو أن يسعى إلى هدمها أحرى أن تصفق له وتعتبر تصرفه الشاذ طرفا من الإبداع الفني !

ولئن كانت الحضارة الغربية في عصرها الحاضر قد انحازت إلى مذهب "اللذة" الذي لم ير من الحياة إلا جانبها المادي، ولم يبصر من الإنسان إلا شقه الحيواني ونفسه الفجورية، فإن المدرسة "الرواقية" التي هي تعبير عن أروع ما في الحضارة اليونانية، هي الأقرب في نظرتها للحياة وللإنسان إلى التصور الإسلامي، بيد أن فيها غلوا وإفراطا في تصور السمو تأباهما طبيعة الإسلام .. فمع أن الإسلام – وهو دين الله الخالد – يدعو الإنسان إلى التطهر وإلى مغالبة حيوانيته والتعالي عليها حتى يتميز عن البهائم، إلا أنه لم يهمل حاجاته المادية، ولم يتجاهلها، بيد أنه أحاطها بمجموعة من القيود والضوابط والتعاليم لتميز الإنسان عن عرف البهائم !

ومن هنا نعود لنقول مرة ثانية إنه ليس هناك عيب في أن يتطرق الأدب والفن لجوانب الشهوة وللحظات الضعف الإنساني منطلقا من الروح الإسلامية في نظرتها للحياة وللأحياء، وإنما العيب أن يتناولها وهو يهدف منها إلى تحريك الغرائز الدنيئة، وإلى إثارة الجوانب الحيوانية في الإنسان.

وحتى لا يقول قائل إنكم تسعون إلى التحكم في إبداع الأديب وتقييد حريته وحصرها في نطاق ضيق، نقول إنه ليس هناك شيء أكثر تقييدا للأدب والفن من إخراجه من رحابة الإنسانية وسعة معانيها وتعدد جوانبها بحصر في نطاق الشهوات الضيق! .. ثم إننا لسنا نريد أن نلزم الأديب بشيء معين، وإنما ندعوه إلى أن يكون أدبه وجها معبرا عن حضارته وانعكاسا ذاتيا لها.

ولئن كنا لا نستغرب من الأديب الغربي حين يمجد الفاحشة ويدعو إلى العري والمجون لأن ذلك هو وجه حضارته (على الأقل في وقتها الحاضر) الذي هو انعكاس لها، فإننا نشمئز ونصاب بالغثيان والتقيؤ حين نرى أديبا مسلما يدعو إلى ذلك، ولا نرى تفسيرا لتصرفه سوى أنه انسلاخ من الذات وذوبان في الآخر .. !

ويوم تتشبع نفس الأديب المسلم وتمتلئ بالمشاعر النبيلة والمعاني الكريمة سيكون للأدب معناه ومغزاه، إذ هو حين إذن سيكون أصدق تعبير عن النفس الإنسانية في أبهى صورها وأروع تجلياتها، وسيكون أكبر حافز على التعلق بقيم الحرية والنبل والشهامة والمروءة والسماح، وأما قبل ذلك فقد يكون الأدب وسيلة قوية لتحريك الغرائز الدنيئة وإثارة حيوانية الإنسان، ولكنه على كل حال لا يمكن أن يكون أدبا يسمو بالذوق ويرقق الاحساس ويشحذ الهمم. وربنا الهادي وهو الموفق إلى سواء السبيل.

9. أكتوبر 2013 - 13:28

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا