دائما أحاول خلال حدوث كل استقطاب و أثناء احتدام أي نقاش أن أتكلم بلغة تخاطب العقل أكثر من مغازلتها للعاطفة ، وتقترب من المنطق أكثر من بحثها عن المثالية ، خصوصا إذا كان أطراف ذلك الاستقطاب و فرسان النقاش المصاحب له هم خيرة شباب
هذا الوطن ممن اكتووا بنار حكم العسكر ودفعوا الثمن باهظا لوقوفهم متفرجين أمام وطن يسرق وتسرق معه أحلامهم في غد أفضل يعيش فيه الجميع في دولة مؤسسات دون وصاية من أحد على أحد أو مصادرة أحد لرأي أحد . ولأنه يبقى من الطبيعي أن يكون صوت اولئك الشباب هو الأعلى حين تتباين الآراء حول قضية مهمة تحدد ملامح المستقبل لوطن يحتاج أكثر ما يحتاج إلى من ينقذه من صفقات سماسرة تفننوا في سرقة ثرواته و دكتاتورية عسكر لم يراعوا في شعبه المسكين يوما إلا ولا ذمة ، فإن مصلحة ذلك الوطن تبقى مرتبطة بأن يبقى شبابه واعين لأهمية الاختلاف بعيدين عن التعصب للآراء مقتنعين أن التخندق في معسكر واحد مع الاحتفاظ بنفس الخطط التكتيكية أمر يتنافى وبديهيات ممارسة العمل السياسي ، كما أن استعداد البعض لإطلاق رصاصة الرحمة على كل القواسم المشتركة و صب اللعنات و الشتائم على حليفه في نفس المعسكر وشريكه في الوطن لمجرد تباين في الآراء و اختلاف في وجهات النظر أمر يفتقد لبعض الحكمة لسبب بسيط يتمثل في أن حلفاء الأمس سينشغل كل منهم بمحاربة الآخر و يبقى خصم الأمس و اليوم و ربما الغد متفرجا ينتظر انتهاء معركة الحلفاء لينقض على المنتصر فيها بالضربة القاضية ربما يكون من المهم أن لا أغوص أكثر في تفاصيل أمور يدركها الجميع ، بقدر ما يهمنى أن أسلط الضوء على الحدث الأخير الذي ـ وللأسف الشديد ـ يحاول البعض أن يخرجه عن سياقه و يبتعد به عن دائرة الاختلاف في التقدير نتج عنه اختلاف في الموقف محاولا جعله في دائرة نقض المواثيق و الطعن في الظهر وخروج على الإجماع . صحيح أن حزب " تواصل " قرر المشاركة في الانتخابات المقبلة وصحيح كذلك أن باقى أحزاب المنسقية حتى لا أقول " المنسقية " قررت مقاطعتها ، مما جعل الكثيرين ينتقدون حزب تواصل على موقفه وهو أمر متفهم خصوصا إذا كان الحزب اتخذ هذا القرار وهو يدرك أن من بين قيادته و منتسبيه من لهم رأي آخر ، لكنه قرار الأغلبية في حزب مؤسساتي ، ولعله كان من المتوقع أن ينتقد هذا القرار و يعارض بصورة محترمة و مقدرة ، لكن الغريب أن بعض رفقاء الدرب حاولوا عن عمد إخراج القضية عن مسارها و شن هجوم غير مبرر يقول أصحابه أن " تواصل " خان الأمانة و نقض العهود ، وحين تطالب أحدهم بدليل على كلامه يتحفك بتحليل لكلامه ، والكارثة أنه تحليل من يرى المشهد بعين واحدة تحددها بوصلة تفكيره . أجل فازدواجية معايير البعض كانت واضحة خلال ساعات حين أعلن الرفاق في حزب اتحاد قوى التقدم مشاركتهم في الانتخابات قبل أن يجتمع مكتبهم التنفيذي و يقرر المقاطعة . ولعله يبقى من المهم قبل أن أعلق على كل ذلك أن أسجل إدانتى لكل حملات السب و الشتم و التخوين التى أطلقها بعض شباب جميع الأحزاب تجاه بعضهم الآخر مما أثبت أننا كشباب لازلنا بعيدين عن احترام بعضنا البعض حين نختلف في الآراء ولا زلنا لم ندرك بعد أن هناك لونا آخر غير الأسود و الأبيض وهو أمر مؤسف ويدعوا للقلق فعلا على مستقبل هذا الوطن المسكين المغلوب على أمره . ولأن البعض لازال مصرا على اتهام " تواصل " بخروجه عن إجماع المنسقية و الضرب بقرارها عرض الحائط وبعد أن اتخذ الرفاق في " اتحاد قوى التقدم " قرارا بمقاطعة الانتخابات ـ وهو قرار أحترمه شخصيا و أقدره ـ مما جعل أصوات أصحاب تلك الاتهامات ترتفع من جديد ، فقد كان من اللازم تسجيل بعض الملاحظات أو التساؤلات التى تبحث عن أجوبة و التى أذكر منها : ـ إن كان قرار مقاطعة الانتخابات هو قرار اتخذته المنسقية كهيئة فلماذا تناقش بعض الأحزاب المنضوية تحت لوائها أمر المشاركة أو المقاطعة بعد اتخاذ القرار
ـ من الملاحظ خلال اجتماعات الإخوة في اتحاد قوى التقدم والتى استمرت ثلاثة أيام متتالية أن قرار المشاركة في الانتخابات كان واردا وهو ما يؤكد على عدم وجود قرار ملزم للحزب بالمقاطعة قبل ذلك
ـ من الواضح أن قرار المشاركة أو المقاطعة لم تحسمه المنسقية بقدر ما حسمته الهيئات الحزبية المختصة و التى كان من البديهي أن تشهد تباينا في وجهات النظر يتطلب منها نقاشات مطولة ثم اتخاذ القرار الذي يحظى بالأغلبية
ـ أرجوا من الجميع أن يبتعد عن المزايدات فلا فرق بين حزب اتخذ قرار مقاطعة الانتخابات أو آخر قرر المشاركة فيها مادامت مرجعية ذلك القرار واحدة و هي هيئات الحزبين المتخصصة ، أو بمعنى آخر على الجميع أن يبتعد عن اسطوانة الخروج على قرار المنسقية لأنه لو كان هناك قرار موحد وملزم لكان من خرج عليه يتساوى مع من فكر في الخروج عليه ـ حتى و إن لم يفعل ـ فاحترام القرارات الملزمة لا يتجزأ
ـ يبقى أن أسجل أنه سيكون من الكيل بمكيالين أن ينتقد البعض قرارا اتخذه حزب بعد الرجوع إلى هيئته المتخصصة لأنه لم يوافق هواه ويرحب بقرار آخر ات
خذه حزب آخر و بنفس الطريقة لأنه وافق هواه ، فمن يحترم نفسه يحرص على أن يوحد معاييره
ـ أكرر احترامى لقرارات جميع الأحزاب وتمنياتى على الجميع أن نبتعد عن الدخول في حملات السب و الشتم و التخوين لأنها تضر أكثر من ما تنفع و تفرق أكثر من ما تجمع
محمد فاضل ولد محمد يحي (التراد)