المدرسة الجمهورية.. خيار استراتيجي / صلاح ولد محمد فاضل

بعيداً عن أصل الكلمة وفهوماتها المتعددة وما تحيل إليه، فإن مصطلح "المدرسة الجمهورية" (l'ecole republicaine) في أذهان من يتبنونه يحيل إلى تلك البنية التربوية المكتملة أركانها منهجاً وطاقماً وتلاميذ، والتي تقوم على مجانية التعليم وإجباريته، وتجمع كافة التلاميذ من مختلف الأوساط الاجتماعية في ظروف مقبولة متساوية دون تمييز.

وحسب الكثير من الدارسين، فإن جملة من المبادئ والأهداف هي التي تأسست عليها المدرسة الجمهورية في موطنها الأصلي "الغرب"، من بينها الحياد الاجتماعي للمؤسسة التربوية، وخلق تراتبية اجتماعية مؤسسة على المجهود الفردي، وتكوين المستهدف تكويناً مستقلاً. هذه الأهداف والمبادئ تحتاج في أغلبها إلى عملية غربلة وتمحيص لتوائم واقعنا كدولة مسلمة عربية إفريقية لها خصوصيتها.

وسعياً لتنشئة هذا المواطن "الجمهوري"، كانت فكرة المدرسة الجمهورية - ضمن تعهدات فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في مأموريته الأولى - كمنهج تربوي وتعليمي لتكوين جيل متحرر من الموروث الاجتماعي في جوانبه السلبية، رافض لكل الرؤى المناهضة للكيان الجمهوري من عنصرية وطائفية وجهوية وقبلية، ولكل كيان ينازع الدولة في هيمنتها على مختلف جوانب الحياة. بتحقيق هذا الهدف، ننشئ جيلاً مندمجاً اجتماعياً، مؤمناً بالدولة ككيان جامع يتجاوز كل كيان آخر، من خلاله يتم تحصين المجتمع ضد إنتاج سلوك هدام من العلاقات الاجتماعية المنافية لمفهوم الدولة والمقوضة للحمة المجتمع.

منذ السنوات الأولى لاستقلال البلد، شرعت السلطات المحلية في تبني عدة إصلاحات تربوية لم تسلم غالباً من مؤثرات سياسية واجتماعية وثقافية وحتى خارجية أثرت على مخرجات تلك الإصلاحات، وبالتالي أنتجت أجيالاً من المجتمع متباينة الرؤى بل متنافرة أحياناً. ومع مأمورية فخامة رئيس الجمهورية الأولى (2019-2024)، كان الاهتمام بقطاع التعليم ضمن برنامج "تعهداتي" الذي تقدم به إلى الشعب الموريتاني، فجاء الإصلاح التربوي الجديد "القانون التوجيهي للنظام التربوي الوطني"، والمكون من 90 مادة، إضافة إلى ملحق يتعلق باللغات الوطنية.

يسعى القائمون على الشأن التربوي من خلال هذا القانون التوجيهي إلى إسعاف منظومتنا التربوية للخروج بها من حالة التردي التي تعيشها. وفي هذا الإطار، حصلت زيادات للرواتب بالنسبة للمدرسين والمؤطرين - ما تزال في حاجة إلى التحسين - كما تم اكتتاب آلاف المدرسين عبر مسابقات عدة حيث شهدت بعض السنوات أكثر من اكتتابين أو ثلاثة. في مجال الحد من نقص البنية التحتية من حجرات وملاحق، أعطى فخامة رئيس الجمهورية أوامره بتشييد آلاف الحجرات الدراسية وفق معايير السلامة والجودة المطلوبين، إضافة إلى تردي مستوى التلاميذ، وحتى المدرسين بسبب غياب التكوين والمتابعة كلها مشاكل لم يعد حلها قابلاً للتأجيل. ومواصلة لهذا النهج، تضمن برنامج المترشح للمأمورية القادمة زيادة المخصصات المالية لقطاع التعليم.

لقد كان اختيار اسم "المدرسة الجمهورية" موفقاً إذ كان اسماً على مسمى بالقول والفعل، مدرسة تحتضن الكل ويشارك في إرساء دعائمها الجميع، ويجني ثمارها الوطن عدلاً ونماء وازدهاراً.

إن نهوض أي بلد مهما كانت خصوصياته وإمكاناته لا يمكن أن يتم دون منظومة تربوية متكاملة تتضافر فيها جهود الجميع من إرادة سياسية وطواقم تدريس وتلاميذ ووكلاء، كل يبذل جهده من موقعه وحسب مسؤولياته وإمكاناته. بذلك وحده - كما أكد فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني - سنضمن نظاماً تعليمياً يوفر مخرجات ستساهم في نهضة البلد ويكون لها الأثر الإيجابي على الوطن والمواطن.

 

 

25. يونيو 2024 - 19:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا