إلي تواصل ...بين العاطفة والعقل / شيخاني ولد الشيخ ولد محمد يحي

يمثل تواصل قوة سياسية لا يستهان بها ومصدر قوته الأساسية وجود التيار الإسلامي وتصدره فيه وقد حقق هذا التيار تقدما مهما حيث انتقل من تيار يقبع في السجون مطاردا من السلطة إلي تيار له وجود ومشاركة سياسية حيوية في البلديات وفي البرلمان.

ولو كان تواصل كبقية الأحزاب العلمانية في موريتانيا لما توجه إليه خطابي لأنها أحزاب تقوم علي المصالح الذاتية وعلي رغبات قادتها ولكن ولأن تواصل حزب إسلامي وأعني هنا أنه يؤمن بشمولية الإسلام وضرورته وصلاحيته للحكم والإدارة والإقتصاد وغيرها من المجالات الحيوية ويفترض أنه يعمل للتمكين للإسلام في الأرض فإني أوجه إليه خطابي راجيا أن يلقي آذانا صاغية وأن لا يفهمه البعض علي أنه تجني أو هجوم ولقد كنت منذ سنوات أفكر فيه لكن يمنعني منه أن يفهمه بعض التواصليين علي أنه إساءة .

ومع أني أدرك أن هناك من سيفهمه هكذا فإنه يكفيني أن قيادة تواصل ممن لهم معرفة قوية بي يعلمون أني لا أكن لهم إلا المحبة والمودة وحب النصيحة .

يعمل تواصل منذ دخوله العمل السياسي وفق منهجية مشتركة موحدة مع غيره من الأحزاب حتي أن خطابه لا يختلف عن خطاباتهم قيد أنملة ، وهذا في نظري مجاف للصواب فأي فصيل إسلامي يجب أن يدرك أن قوته في كونه حاملا للفكر والمشروع الإسلامي ويجب أن يعبر عنه بوضوح وبتميز وأن يكون خطابه إسلاميا بمفهوم حقيقي وأن لا يحاكي الأحزاب العلمانية في خطاباتها فهو لن يتقنها وسيكون قد فرط في الخطاب الإسلامي الذي هو مصدر قوته وشرعيته وستتفوق عليه الأحزاب الأخرى لأنها جرته إلي ميدانها .

والخطاب والمشروع الإسلامي ليس شعارات ولا هتافات حنجرية ولا عواطف ولكنه برامج واستراتيجيات وتخطيط وعمل وأهداف مقنعة يخاطب بها المجتمع .

وإني مدرك لكون تواصل عقب المضايقات التي حصلت قبل 2005 أصبح يرغب في عدم التمايز عن بقية الأحزاب وأن يكون خطابه مغلفا غير صريح أو ضبابيا في كثير من الأوقات لكن هذا ليس لصالحه .

أيها السادة

إننا قوم نحمل مشروعا سياسيا إسلاميا كبيرا ولا يجب أن نتقاعس عنه ولا نداريه ولا نخفيه ولا نهادن بل نعلن خطابنا بوضوح وصراحة فمن آمن به ووقف إلي جانبه فسيكون ذالك عن قناعة ومن لم يقف معه لن يقف معنا ولو صرنا علمانيين أكثر منه .

علينا أن لا نحاكي مشية الغراب فنخسر مشيتنا ولا نتقن مشيته .

في 2009 عندما كنا نعمل علي تأسيس جيل العدل في الجزائر كان هناك انسجام كبير بيننا مع شباب تواصل حول شمولية الإسلام وضرورة تجاوز النظام العلماني والحكم بالإسلام .

وقد دعانا أحد التواصليين إلي التصويت لرئيس الحزب بما أن لدينا نفس الفكر ولكن هنا محل خلاف فنحن علي ثقة بأن في الإسلام حل لكل مشاكل الشعب والدولة وأنه إن يحكم يقدم .

ولكن لسنا علي ثقة بأن في حصول رئيس تواصل علي الرئاسة أي حل .

يحتاج أهل تواصل إلي أن يفرقوا بين المشروع والأشخاص والحزب فالمشروع لا شك ناجح ولكن الأشخاص والحزب ليسوا بالضرورة كذالك والأهمية للمشروع لا للأشخاص ونجاحه ليس متعلقا بنجاحهم .

رحمة الله علي الشيخ محفوظ نحنوح فعندما لم يصوت الجزائريون بأكثرية له قال : رفض الأشخاص لا يعني رفض المنهج ولا رفض المشروع .

متي سيفهم هذا قيادات تواصل ويعلموا أن المجتمع الموريتاني مع المنهج والمشروع الإسلامي لكن تواصل يعرضه بالطريقة الخطأ في الخطاب والأهداف والأشخاص وفي التعصب للحزب وللشخص .

متي يفهمون أن المشروع الإسلامي يمكن أن ينجح بدون وصول جميل ولا تواصل لسدة الحكم ، إنهم إذا فهموا هذا سيكون المشروع الإسلامي ناجح .

يشبه الغزالي رحمة الله عليه طريقة عرض المشروع الإسلامي برجل يقود جملا أصيلا حسنا بقلادة رديئة ويقول الناس ما أحسن هذا الجمل لولا هذه القلادة .

فالناس تقول ما أحسن هذا المشروع لولا هذه القيادات وهذه الأساليب .

إن النجاح الحقيقي للمشروع الإسلامي ليس بالوصول إلي السلطة ولا بالحصول علي الأغلبية البرلمانية أو البلدية .

ولكن في موريتانيا النجاح الحقيقي هو في أن يصل الخطاب الإسلامي صريحا وشفافا إلي الناس وأن يدركوا المشكلة ويعملوا علي حلها .

فالمجتمع الموريتاني محب للإسلام مقتنع به ويحتاج لمن يوضح له شمولية المشروع الإسلامي وضرورته للتقدم وللإصلاح ولكن تواصل يتجنب هذا في خطاباته الطويلة والعريضة ويصر مرارا وتكرار علي أن يقدم أشخاصه علي أنهم هم الحل ومن لم يصوت عليهم فلا يريد نجاحا للإسلام .

وإذا تبصرنا في أهداف تواصل نجده 2009 أنفق ماليات طائلة علي الصور المكبرة لرئيسه واللافتات والحملات الإنتخابية وشق صف الجبهة وكأنه متأكد من الوصول إلي السلطة ولكنه فشل فضاع كل هذا هباء منثورا .

وتحالف مع الانقلاب بعد أن رفضه واعترف بالانتخابات .

ثم بعد الثورات تصور إمكانية تكرر الحدث في موريتانيا فكرس كل قوته وطاقته وميزانيته وخطاباته ومهرجاناته للرحيل .

وزج بشباب الجامعة والمعهد وبعض النقابات وبشباب تواصل ومناضليه عموما من أجل طرد النظام ليحكم تواصل ، وحرق سفن العودة للنظام واتهمه بالظلم والقتل والطغيان والفساد والديكتاتورية وحلف رئيسه علي عجز الرئيس .

ولكن مشروع الرحيل فشل بعد كل هذا ورجع تواصل ليشارك مع النظام في خطته للحوار والانتخابات .

كان حريا بالإسلاميين في تواصل أن يتحرروا من التعصب للأشخاص والحزب والسعي للسلطة والمنصب ويكرسوا قدراتهم للعمل الإسلامي سياسة واقتصادا وإدارة وتوعية .

وإذا كانوا يعتقدون أن العمل السياسي الإسلامي هو مجرد السعي للمناصب والترشحات والحصول علي أكثر الأصوات فتلك كارثة .

كان بإمكانهم فرض التخلص من الربا لو كرسوا ربع قوتهم التي أزهقوها في الرحيل والسعي للسلطة .

ولكنهم نسوا البرنامج الإسلامي وأصبحوا يسارعون للسلطة فقط وكأن الحصول عليها هو الحل .

يجب أن يعملوا علي تحقيق أهداف مرحلية تخدم الإسلام وأن يفصلوا بين أشخاصهم والمشروع الإسلامي ، فيتظاهروا من أجل إلغاء الربا ورفضا للأدوية المزورة وللأطعمة الفاسدة التي تستورد وللاقتصاد الليبرالي ورفضا للرشوة والمحسوبية ورفضا للفساد الإداري ورفضا للإباحية والدعارة والاختلاط ورفضا للإعلام الهابط .

وأن يكون خطابهم واضحا جليا وأن يعملوا علي توعية الناس ويطالبوا بوضوح بتطبيق الشريعة الإسلامية بإقامة العدل .

وهذه أهداف مرحلية يمكنهم الوصول إليها .

أما أن يحرقوا أوراقهم في كل مرة من أجل السلطة تارة بفرض الرحيل وأخري برفض الانتخابات وأخري بقبولها مكرسين عملهم لأشخاصهم فما هكذا تورد الإبل .

وتواصل اليوم أمام مرحلة حاسمة فإما أن ينجح رهانه علي أشخاصه بحصولهم علي نسبة أكبر في الانتخابات وإما أن يفشل رهانهم ويفشل معه تمثيلهم للمشروع الإسلامي لأن المجتمع للأسف سيعتقد أنهم لا يسعون إلا لمصالحهم الذاتية والشخصية .

إن انتقادنا لتواصل من باب النصيحة والحرص علي نجاح البرنامج الإسلامي وتذكيرا للجميع بأن المهم هو البرنامج لا الأشخاص و هو أقرب للنقد الذاتي .

وإني أتمني أن يفرق شباب تواصل بين العاطفة والعقل وأن يبتعدوا عن التعصب .

فكل عاطفتنا مع تواصل ولكن هذا لا يمنعنا بل يوجب علينا النصيحة له خاصة عندما تضيع بوصلته وليس هذا إلا حرصا عليه وأملا في نجاحه .

وأولئك الشباب الذي يعطلون أفكارهم وقدراتهم ويصبحون رهينة للحرس القديم بدون تجديد ولا إبداع ويقولون ليس بالإمكان أبدع من ما كان ، هم بهذا لا يقدمون للمشروع الإسلامي شيئا .

وإذا كنا نطالب بالتغيير والتجديد فيجب أن نتغير أولا ونجدد الطبقة السياسية والأفكار والاستراتيجيات .

وعلي تواصل ان يقدم شخصيات شبابية جديدة تكنوقراطية تحمل خططا بديلة من أجل العمل الإسلامي .

12. أكتوبر 2013 - 23:35

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا