حج البيت - لمن استطاع - فريضة وركن من أركان الإسلام قال تعالي:((وأذن في الناس بالحج ياتوك رجالا وعلي كل ضامر ياتين من كل فج عميق ))صدق الله العظيم( سورة الحج الآية 25) وللحج نكهة خاصة عند المسلمين قديما وحديثا فهو أكبر تجمع إسلامي في العالم وأكثر
المواسم صفاء، وبهاء ، وإشراقا . إنه المناسبة الربانية العظيمة التي يلتقي فيها الأغنياء بالفقراء ،الرجال ،والنساء ،الأصدقاء والأعداء .الرؤساء والبسطاء. الجميع يسير علي هدي سيد المرسلين ويقتفي أثره في تأدية المناسك خطوة بخطوة .وقد شهد الحج هذا العام مشاركة رئيس الدولة إلي جانب مؤيديه ومعارضيه . فهل كان دافع الرئيس تلبية الدعوة والإستجابة لأوامر الله ؟أم أراد أن يبدأ عهدا جديدا بهذه الخطوة العظيمة ؟وهل هو خلط للسياسة بالدين علي طريقة القادة العرب ومنهم آل سعود؟ وأخيرا هل يستفيد الرؤساء العرب من رحلة الحج الإيمانية ؟وهل يتدبرون المواقف الرهيبة والمشاهد العظيمة؟
لعل الرحلة إلي المملكة العربية السعودية تثير لدي ولد عبد العزيز هاجسا دفينا يذكر بالإنقلاب علي ولد الطايع عندما زار المملكة للمشاركة في تأبين العاهل السعودي وتقديم واجب العزاء وقد أصبحت تلك الزيارات مدعاة للتوجس والقلق .لكن تأدية واجب الحج أمر آخر قد يجلب الإطمئنان ويكسب الرحلة جوا من التعاطف والشفقة والرحمة .
كل حاج إلي بيت الله الحرام يستلهم من الرحلة العبر الكثيرة ويستعد للقاء ربه في أظهر بقاع الأرض وأكثرها قداسة ورهبة ولعل مدرسة الحج بأيامها القليلة وأجرها العظيم ومتعة سفرها الرباني وأجوائها الإيمانية وعلومها الغزيرة وفرصتها السانحة للتوقف مع النفس والتطهر من الذنوب والإرتقاء إلي رحاب الصالحين من المؤمنين الصادقين كلها أمور تجعل من يحظي بدخولها بنية صادقة ، يخرج منها بعزيمة قوية وقدرة كبيرة علي الإستقامة والسير في رحاب الله وعلي هدي نبيه صلي الله عليه وسلم.
لكن ما شاهدناه في رحلات حج الرؤساء العرب لا يعدو أن يكون مناسبة لإلتقاط الصور والفيديوهات الدعائية في مواقع مقدسة ،ما تلبث آلة الدعاية الخاصة بالرؤساء أن توظيفها في حملات انتخابية أو دعائية تسعي للتلاعب بعقول وقلوب ملايين المواطنين الطيبين .
ما شاهدناه أيضا في "تلك الرحلة" للزعماء العرب هو لقاءات مع آل سعود ماتلبث أن تكشف عن نفسها في شكل تحالفات معادية لإرادة الشعوب ومتحدية لكل ممارسة ديمقراطية ومكرسة للإستبداد والرجعية العربية ، لقد اهتز عرش آل سعود تحت تأثير ثورات الربيع العربي وسقط حلفاء الإستبداد والطغيان والرجعية العربية في أكبر وأعرق أوكارها (مصر وتونس) وكاد ملك السعودية أن يفقد صوابه بعدما هبت علي أرضه رياح التغير قادمة من الجار القريب (اليمن ) والبحرين فأرسل الجيوش لإنقاذ ملك البحرين ووزع الأموال علي العملاء لإسقاط نظام الحكم الشرعي في مصر وتونس وكادت مخططاته تفشل لولا معاونة قوية من جيوش الرجعية في مصر واليمن. وقد بدأ نظام السعودية منذ بعض الوقت يلتقط أنفاسه إثر سيطرة السيسي في مصر وتصاعد الخلاف في تونس وتراجع المد الثوري في الدول العربية الأخري ومنها موريتانيا .
وظف آل سعود مناسبة الحج سياسيا في أكثر من موقف ووقفوا بحزم أمام أرادة المسلمين في جعل هذه المناسبة الكبيرة مؤتمرا إسلاميا تناقش فيه هموم الأمة وتستمد منه وحدتها وتماسكها وتتخذ فيه القرارات الشعبية الضرورية لتوجيه الأمة نحو جادة الطريق من خلال علمائها الربانين والصادقين .
لقد ظل آل سعود يحمون نظامهم المتهالك والمتخلف من خلال دعم الأنظمة العسكرية في الدول العربية من أجل منع التحولات الديمقراطية في المنطقة لأنها ستهدد كيانهم الهش وتطردهم من مقاليد حكم نصبهم فيهم الإستعمار.
إن هذا التوظيف هو ما جعل آل سعود يكرهون الإسلاميين ويعملون علي منعهم من الوصول إلي السلطة في البلدان العربية ، لأنهم يدركون أن الفهم الصحيح لنظام الحكم في الإسلام من شأنه أن يخرجهم من دائرته ويلقي بهم في سلة عملاء الأمريكان وكل الخونة الذين نالوا من شرف هذه الأمة وكرامتها ومشروعها العظيم .
لا نقول إن ولد عبد العزيز مثل السيسي تماما في تعاطي العربية السعودية معه لكننا ندرك أن استقبالها له وترحيبها به لن يكون مقابله سوي أن يسلك طريق السيسي في التصدي للديمقراطية وإرادة الشعوب الحرة وتشجيع الإستبداد والضغط علي المعارضين ..فأي الدروس يستوعب الرئيس؟:
- درس موعظة الحج وهو الذي أشرف علي الموت في حادث "الرصاص الصديق" لولا أن أنقذه الله ومد له في العمر حتي يؤدي هذه الفريضة العظيمة ؟
- أم درس نظام حكم آل سعود المتخلف والمحتمي بالأمريكان وعائدات النفط وأنظمة الرجعية ؟
هل يعود الرئيس من رحلة الحج وقد امتلأ قلبه بالإيمان والإشراق والترفع والطهر ويتجه إلي العمل بما جاء في سورة الحج عند قوله تعالي:(( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمورا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ))صدق الله العظيم (سورة الحج الآية 39 ).