يعتقد جل الموريتانيين أن كل الأزمات في بلادنا تعود لأزمة جامعة وهي أزمة السلطة .
لكن الحقيقة تقبع خلف ظهورنا تماما ، فالأزمة تقوم على بعدين أحدهما سياسي والآخر اجتماعي .
وسأتطرق هنا لبعدها السياسي حصرا وفي جزئية منه تتعلق بقيمنا السياسية التي نصدر عنها .
اعتقد أن مأمورية الرئيس غزواني لن تواجه صعوبات تتعلق بالثروة ولا بإدارة هذه الثروة ، وإنما في صعوبة البحث عن الشياب الذين راهن عليهم في حملته وجعلهم شعارا لمأموريته .
في المشهد السياسي هناك وجوه مألوفة تظهر في كل مهرجان أو تظاهرة سياسية ، لكن ظهورها بحد ذاته يشي بسطحية القيم السياسية للشباب المنخرط في صفوف الموالاة (هناك استثناءات بكل تأكيد ).
فالمتابع لمجموعات وأنشطة هؤلاء الشباب يمكنه حصر نشاطهم في فعلين سأذكرهما وأفسر دلالات كل منها ..
الأول : نشر صورهم في كل تظاهرة ( مهرجان ، تعزية ، صلاة الميت ، حفل عشاء أو إفطار ، مقابلة اولقاء أحد المسؤولين ، عقد قران في الن عباس ..الخ )
الثانية : انخراطهم في تلميع الشخصي؛ات السياسية في كل مناسبة .
أما من ناحية الوعي السياسي فهناك غيبوبة تامة ودائمة ، لا تجد أحدهم يسوق رؤية سياسية أَو يحلل حدثا أو يعلل خطابا أو قرارا .
إذا عين النظام قالوا "الرجل المناسب في المكان المناسب " هكذا بلا هوادة ولا سابق معرفة بالمعين نفسه .
إذا عين الوزير تأهبوا جميعا للاصطفاف على بيته ( وهات يا صور ) .
إذا تحدث المسؤول قالوا بأن حديثه يشبه الوحي وأنه يعلم من أين تؤكل الكتف ( وصف غير أحلاقي أساسا ) .
لا رأي لهم ولا موقف ..
شفافون لدرجة التماهي المحاكي للغياب ..
يومهم يبدأ مع بداية دخول المسؤولين لمكاتبهم وينتهي بنومهم بشكل متأخر في بيوتهم مرهقين بزيارات غير مبرمجة ولا مبررة .
يدون أحدهم قصاصات يومية بلا طعم ولا رائحة وينثرها في سماوات التواصل الاجتماعي علها تصل إلى معني يألف من خلالها وجوههم يوم يراهم .
موت تام للشغف السياسي وضحالة في الوعي والمعارف ، داخل جوقة من "صحافة" تنحصر عناوين اخبارها في :
-حضور بارز للإيطار فلان في الحدث الفلاتي .
- اهالي منطقة كذا يلتفون حول الفاعل السياسي فلان .
- تصدر مكتب كذا المحسوب على الوجيه فلان .
إلى آخر تلك الاسطوانة المقيتة ..
أين هم في الندوات السياسية والفكرية ؟
أين هم في المبادرات السياسية؟
اين هم في الحشد؟
اين هم في النقد؟
اين هم في الإعلام؟
أين هم (وهي الأهم) في إنتاج الافكار وايتداع الرؤي السياسية والاجتماعية .؟
أين اطروحاتهم الفكرية والثقافية
أين وجهات نظرهم و ماهي موافقهم الشخصية من الأحداث ؟
اين تاريخهم السياسي في الجماعات والثانويات والاتحادات الطلابية ؟
مجلد كبير فخم الغلاف وفارغ تماما .
ماء ممزوج بماء صب في ماء ..
بعضهم اكتسب موقعه لاسباب عائلية .
وبعضهم لأسباب مالية
والبعض الأخر لم ينل موقعا ولا موقفا ولا مالا ولا حضورا شعبيا(وهم الغالبية) .
هذا بكل اختصار هو شباب الموالاة
إنهم أعظم رزء رزأت به السياسة والمجتمع .
شاب يخرج من بيته مهاجرا إلى "سيلفي" أو مديح ركيك المعنى فارغ المصداقية لهذا المسؤول أو ذلك .
ويعتقدون أنهم يسوقون النظام الذي يوالونه بهكذا ترهات .
على الأحزاب السياسية أن تعيد هيكلة قيمها السياسية وأن تستقطب أصحاب القيم السياسية الراسخة وأصحاب العقول والأفكار والمواقف وان تتسلح بوعيهم وفكرهم ورأيهم .
إذا تحدثوا عنهم اقنعوا واوصلوا الرسالة السياسية والفكرية بحذق ولباقة ووعي وقدرة .
شباب يشاركونهم التخطيط بوعي ومعرفة وحنكة وشغف ، ويقاسمونهم التنفيذ بثقة وكفاءة وقدرة .
عليهم أن يجتثوا هذا الغثاء الذي يدمر وعينا السياسي وقيمنا الأخلاقية ويحيل الموقف الموالي إلى نفاق مقيت و الواجهة السياسية للأحزاب إلى صورة مقيتة من سعار التزلف والتماهي الغبي مع كل شي وفي أي شيء.
لم ينشأ أحدهم في تجربة سياسية او فكرية ، ولا قاده الشغف لتلبس فكر سياسي ولا فلسفة حياة .
طفيليات تعتاش على جسد الأحزاب والشخصيات ، تكثر عند الرخاء ومواسم المال ، وتقل عند الفزع السياسي حين تكون الحاجة للفعل والبذل .
فأي تجرية سياسية ننتظر من جوقة وسعار التذلل والتبتل في رحاب ومظان المنفعة هذا ؟.
ومع ذلك هناك شباب لم يرهم أحد يوما مع مسؤول ولا تجمع قبلي ولا توجد لديهم حسابات على الفيس بوك ولا حسابات بنكية ولم يكن لديهم وقت إلا للتعليم والتكوين والمثابرة والجد ، عندما يعين احدهم ، تمتعض تلك الجوقة التعيسة وتطالعنا بعبارات من قبيل " تهميش الشباب "
" تهميش الشباب الذين وقفوا مع الرئيس "
إلى آخر ذلك القاموس التافه .
على الأحزاب ان تبدل جلودها الدسمة وأن تمارس السياسة وفق مبادئ ونظريات ومعايبر ، توالي بها أو
تعارض ، حتى نستطيع التخلص من هذه الضوضاء الضامر أهلها .