يلاحظ أنني وضعتُ (الإسلاميين و القوميين) بين مزدوجتين، لأن الفصل بين الإسلاميّ (المسلم، المنتمي إلى الإسلام )، و القوميّ (المنتمي إلى قومه) يُعدّ فصلا تعسّفيًّا. إن التوجُّه الحالي إلى بناء ما أصبح يُعرَف بدولة المواطَنة، لا يُلغي أن المواطن الذي ينتمي إلى بلد عربيّ(عضوٍ في جامعة الدول العربية)،
سواء أكان عربيا أم غير عربيّ في الأصل (و تَعَرَّبَ بحكم انتمائه إلى دولة عربية)، يمكن أن يكون مسلما أو غيرَ مسلم (مع ملاحظة أن المسلمين يمثلون الأغلبية "أكثر من 90 في المائة" )، لكنه لا يمكن أن يكون من غير أصْلٍ، ولا يُطلَب منه أن يتنكَّرَ لأصله. و قديما قيل: "من تكلم العربية فهو عربيّ"، وأقول: (و من لم يتكلم العربية فهو مواطن – على كل حال - يتمتع بجميع الحقوق و عليه جميع الواجبات)، بمعنى أنّ العربَ غيرُ عنصريين، بل يفتحون صدورهم لغير العرب، بصرف النظر عن العِرق أو اللون أو العقيدة. ثم إن الإسلام لا يفرق بين العربيّ و الأعجميّ، و لا يفاضل بينهما إلا بالتقوى، و الأدلة على ذلك كثيرة، لا يتسع المقام لذكرها.
و حتى لا أبتعد عن الموضوع، المذكور في العنوان، أقول إن الأحزاب السياسية ذات التوجُّه القوميّ، والأحزاب السياسية ذات التوجُّه الإسلاميّ، محكوم عليها جميعًا - في الظروف الحالية بصفة خاصة – بالتحالف و التنسيق و التعاون فيما بينها، من أجل ضبط البوصلة، لتصل "سفينة " عالمنا العربيّ إلى بر الأمان.
إن من يظن أن باستطاعته الوصول إلى السلطة، أو المحافظة عليها بعد الوصول إليها، دون إشراك الآخرين (بمختلف طوائفهم وتشكيلاتهم، السياسية و العرقية و العَقَدية)، فهو واهم، بل إنه يسبح في عالم الخيال. إن عهد سياسية الإقصاءِ و التفرُّدِ بالسلطة ولّى إلى غير رجعة.
و في هذا السياق، فإنني أرى أن التيارَيْن المشارِ إليهما (الإسلاميِّ و القوميِّ)، يُشكِّلان أرضية مناسبة لقيادة "السفينة" العربية التي – و يا للأسف – تتقاذفها الأمواجُ الهادرة، و يُغالِب رَبابينُها الأعاصيرَ و الزوابعَ الهوجاء، و ذلك منذ أن بدأ تدمير الأقطار العربية، الواحد تلو الآخر، و انتشر عدم الأمن و اشتعلت الحروب الأهلية...بسبب عجزنا وتخاذلنا عن حل مشكلاتنا بأنفسنا، بحيث أصبح دورُنا- في حل هذه المشكلات- يقتصر على إعطاء إشارة الضوء الأخضر للتدخل الأجنبيّ، ليقوم بهذه المَهَمَّة، مهما كلف ذلك من ثمن. ومن الواضح أنّ نتيجة هذا التدخل كانت مدمِّرةً.
أرجو أن ينتبه السياسيون، في عالمنا العربيّ، لخطورة ما يعرف ب "سياسة: فَرِّقْ تَسُدْ التي ينتهجها أعداء العرب و أعداء الإسلام"، و أن يتذكروا – باستمرار- أن قوتنا تكمن في وحدتنا.
وليعلم السياسيون – جيّدا – أن المواطن العربيّ – من المحيط إلى الخليج – لن يرضى، من الآن فصاعدا، أن يعيش حياة التهميش و الإقصاء، و لن يستسلم للجهل و الفقر و المرض، بعد أن فتَّح عينيه على ما يجري في العالم، بل إنه مصمم على أن يستفيد من خيرات و طنه ليعيش مُعزَّزا مُكرَّمًا. و لن يتأتى ذلك إلا بإشراكه في وضع الخُطط و رسم السياسات، و التي من أهمها تحقيق أمله في الوحدة العربية الشاملة.
و من هنا، وأُسْوَةً بالاتّحاد الأُوروبيّ والاتّحاد الإفريقيّ ، فقدآنَ الأَوانُ لِقِيام الاتّحاد العربيّ ، وإصْدار العُمْلَة العربية الموحَّدَة ، وجواز السفَر العربيّ الموحَّد ، وإلْغاء تأْشِيرة الدُّخول ، وتمْكين المُواطِن العربيّ مِن حَقِّه في ما أصْبَحَ يُعْرَف بالحُريات الخَمس: التنقُّل، والإقامة، والعَمَل، والتمَلُّك، والمُشارَكَة في الانتخابات. مع ضرورة إحْلال اللغة العربية مَحَلَّ اللغة الأجنبية ، في التعليم والإدارة وسائر المَرافِق الحَيَوِية، حتّى يتحقق الاسقلال الثقافيّ والاقتصاديّ.
و لعل التحالف بين التياريْن المذكوريْن، يتوفَّق-مستقبَلًا- في قيادة الأمة العربية، نحو تحقيق الأمن و الرخاء و الاستقرار و الوحدة، في هذا العالم الذي لا يرحم ، والذي يحسب للقوة ألف حساب، و يدرك أن للعرب قوةً بشريةً و اقتصاديةً و فكريةً لا يُستَهان بها، بشرط أن يتوحَّدُوا.
و في الختام، أذَكِّرُ مَن تربطنا بهم اُخُوَّةُ الإسلام – داخل الوطن العربيّ و خارجه – بأن اللغة العربية مُعِينة على تأدية شعائرهم الدينية- بل لاغِنًى عنها- فليعملوا على دعمها و نشرها و حمايتها و الدفاع عنها. و ليضعوا نُصْب أعينهم مقولة عبد الملك بن محمد بن إسماعيل، أبي منصور الثعالبي: "من أحبَّ الله تعالى أحبَّ رسوله محمدًا، صلى الله عليه و سلم، و من أحبَّ الرسول العربيّ أحبّ العربَ، و من أحبّ العربَ، أحبّ العربية التي نزل بها أفضَلُ الكتب على أفضل العرب و العجم".