هيكلة التعليم بين الوصل والفصل / محمد عمر ولد أباه

altمن ضمن المعارف التي تلقيناها ونحن نجهد أنفسنا بمذاكرة دروس علم النفس التربوي والتربية الخاصة أن أفضل طريقة لإيصال المعلومة  الى الطفل هي أن نقوم بتفكيكها وتحليلها الى عناصرها الأساسية ، فذلك من شأنه أن يساعد على حسن الفهم وتمام الإدراك ، وفي ( بلدي موريتانيا )

أضحى التعليم مشكلة  كبرى ؛وصلت درجة من التعقيد جعلت المختصين يحارون  في حلها ، فعقدت أيام تشاورية حول التربية والتكوين ، واصدرت تقييمات لمنظومتنا التربوية كان التشخيص فيها مخيفا ، حيث الهدر المدرسي على أشده ( نسبة 2 تلميذ من 5 ) هم الذين يكملون السلك  الأول من التعليم ، ينضاف الى ذلك ضعف نسبة النجاح في الامتحانات الوطنية ؛ وهو ما أدى الى  انتشار المدارس الخصوصيةورواجها لدى الغالبية منا ، رغم أنها مدارس تفتقر  في اغلبها الى  الحد الادنى من المعايير التربوية وتركز على النجاح والتفوق دون الاهتمام بالتعليم بمفهومه الحقيقي ، ذلك أن التلميذ فيها  يخضع لسلسلة من التدريبات تستهدف بالأساس الطريقة التي يمكنه أن يدون الجواب عن أسئلة لا تختلف  في مضمونها عن أسئلة الاختبارات السابقة ؛

هذه الاختلالات وأعراضها  السيئة ، اربكت منظومتنا التعليمية ،  فكاد يخيل إلينا أن  تعليمنا أصبح ( لعبة ) يراوح فيها بين التفكيك تارة والتركيب أخرى دون الوعي على الأقل  بمستوى العلاقات التي تجمع بين أجزاء هذه اللعبة  التي أريد لها أن تكون  صلبة من حيث البناء هشة من حيث الوظيفة و الاداء؛

وخيرا جاء القرار بالفصل اذي نأمل أن يتجاوز المستوى النظري الى المستوى العملي ، الى حين  ذلك  فإننا لا نرى بأسا في نقدم قراءة لهذا القرار القاضي  بالفصل بين القطاعات التعليمية  هو نفسه القرار الذي قضى ولبرهة من الزمن بوصلها ولغير ضرورة يقتضيها السياق ، إلا اننا نحن العاملون في قطاع  التعليم الاساسي متفائلون الى حد كبير بنتائج هذ الفصل الذي يؤكد مرة أخرى عدم تجانس أجزاء المنظومة وهو امر طبيعي إذ علمنا انه من بين هذه الاجزاء من ظل متطفلا على أجزاء أخر  تماما كما هو الحال بالنسبة لنبات ( العالوق)

إن التفكيك الواعي والمستنير إنما هو في حقيقة الامر إنجاز يستحق الإشادة والإكبار وسيعطي نتائج جد مشجعة لكن شريطة ان يتم فهم مختلف أجزاء هذه المنظومة التي عانت ولردح من الزمن من اختلالات مزمنة ؛ إنها طبعا فرصة سانحة ليختبر أصحاب القرار كفاءات اللاعبين الحقيقين الذين تجاوزت بهم التجربة  مستوى الاطلاع على الجانب الوظيفي للقطاع الى مستوى معرفة الترابط والتجانس بين مختلف أطراف الهيكلة ، وهي فرصة كذلك لي ولنظرائي من المعلمين والمفتشين ليبرزوا قدراتهم ومهاراتهم سبيلا الى تعامل جيد مع واقع يجب ان تتحول معوقاته الى نجاحات باهرة و إلا يصبح التفكيك والفصل عمليتان لا طائل منهما ،

ربما يقول قائل هل من الممكن أن يأتي الفصل بنتائج عكسية ، مدمرا مخربا ، فيعمق الإختلالات ويزيد الطين بلة ؟ ومتى يكون ذلك ؟

إننا نعتقد جازمين أن التركيب ليس أسهل من التفكيك خلافا للمثل القائل بأن الهدم اسرع من البنيان ، لكن شريطة أن يتم هذا التركيب وفق نظرة فاحصة مستنيرة مدركة للتحديات والمشاكل  التي يعاني منها قطاع التعليم الاساسي وليس تبني هيكلة أعت على مقاس الآخرين، إن ذلك حتما يتطلب منا نحن المنضوون تحت راية هذا القطاع بان لا نتعامل مع القطاع باعتباره اوصالا مفككة وإنما نتعامل معه في هيئته وصورته المركبة ، تماما كما هو الحال في جهاز الحاسوب الذي  نبدي وبكل تأكيد عدم رضانا على مهندس الصيانة الذي يتركه مبعثرا ، معطلا من حيث وظيفته بينما أجزاءه في شكل جيد كل على حدة  لان العبر ة بالأداء لا بالشكل ؛

ولئن كان للفصل مخاطره فإن للتركيب الخاطئ خطورته ، لأننا حين نقوم بالتركيب على نحو يغاير ما نحن بحاجة إليه ؛ نكون حينها قد قمنا بمنتوج لا يصلح لنا ، ومن هنا فإن الإصلاح الحقيقي لمنظومة تعليمنا يتطلب من رجال التربية والتعليم كل من موقعه أن يسهر على أن تتم هيكلة كل قطاع من قطاعات التعليم الثلاثة وفق ضوابط ومعايير نابعة من صميم الواقع الذي يعيشه القطاع ، أما "الهيكلات " الجاهزة  وفق مقاسات البعض من غير أهل الاختصاص فقد اثبتت وبجدارة إفلاسها ذلك لسبب بسيط هو أنها عاشت خارج رحم القطاع فولدت مشوهة عرجاء ،

لقد هرمنا وجربنا مختلف الصور وعشنا الوصل والفصل كل في غير  موقعه " حسب ما يقرره البلاغيون" واليوم أدركنا حقيقة أننا  في سن الرشد ولم نعد أطفالا نتسلى باللعبة منبهرين  أولا بوظيفتها وفي خطوة ثانية  يقومون بتفكيكها ليكتشفوا علاقات الترابط بين الاجزاء  ومكوناتها و في خطوة ثالثة يحاولون إعادة تركيبها فيجدون  انهم عاجزون  تماما عن ذلك ، وبين اللحظات الثلاث  (اللعب – التفكيك – إعادة التركيب ) تضيع جهودهم،

إن قطاعات التعليم تعيش الآن اللحظة الثالثة فعلى أهل كل قطاع أن يعيد التركيب على ما يصون لهذه  الأمة مقدراتها  ويكسب بنيها التربية الصالحة وفق منظومة القيم التي يريدها المجتمع الموريتاني المسلم ، حينها تتحول عوائق التعليم واختلالاته الى مكاسب ما فتئ الكل يحلم بتحقيقها

الهاتف: 22318184 (222+)

22. أكتوبر 2013 - 20:09

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا