لم يجانب الصواب من قال إن "الصحافة مهنة المتاعب والمصاعب"، تماما كما لم يجانب الحقيقة من قال إنها "مهنة من لا مهنة له في موريتانيا"، فقد أضحت مجالا خصبا لكل من فشل في مختلف مناحي الحياة... لكن ذلك لم يمنع من وجود استثناءات ـ وإن قلت ـ آمن أصحابها بشرف هذه المهنة، واحترام أخلاقياتها، وضوابطها التي أضحت مهجورة، وفوق كل ذلك من قدروها حق تقديرها، ومنحوها ما تستحق من تضحية، وما تستلزم من شجاعة.
إسحاق ولد المختار أحد أولئك القلائل من الموريتانيين الذين انبروا للذود عن حمى الصحافة الجادة والفاعلة، متوكئا في ذلك على عصا المهنية، والموضوعية، مترفعا عن الوقوع في الممارسات والأساليب التي أصبح من لا يؤتيها اليوم في موريتانيا مغردا خارج السرب، ويعيش خارج الزمن...
ولعل دماثة الأخلاق، والصدق، والطموح الذي تحلى به ولد المختار منذ البداية، وهو يدلف بخطاه في بلد تكاد الصحافة تجتث من فوق أرضه مالها من قرار... والصبر على المتاعب الجمة، والظروف غير المواتية، متنقلا بين مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية البصرية... كل ذلك هيأه لقطف ثمار لا تنبت أشجارها عادة في الفيافي والصحاري القاحلة.
لقد تعرف الجمهور القارئ في موريتانيا على الصحفي المتميز إسحاق ولد المختار، عبر المقالات والتحقيقات، وغيرهما من الأجناس الصحفية، خبرية كانت، أو أجناس رأي، أو أجناسا كبرى... والتي يقول من حظوا بمواكبتها والاطلاع عليها إنها كانت في منتهى التميز والمهنية، وهما ثنائيتان يندر أن يجتمعا في أترابه من ممارسي مهنة الصحافة.
أما الجمهور السمعي ـ االبصري فقد تعرف عليه عبر برامجه ونشراته الإخبارية في التلفزة الوطنية، برامج ونشرات ـ وإن لم يكتب لها الاستمرار بفعل الأحادية والانحياز الذي تتبناه التلفزة، ويرفضه من يؤمن بالمهنية والموضوعية"، إلا أنها استطاعت أن تخلق له جمهورا، ينتظر بترقب كبير صوته العذب، وكلمته الآسرة من حين لآخر.
ستتسع دائرة متابعي إسحاق والمعجبين بأدائه لاحقا، حين أصبح مراسلا لقناة "ميدي1 تي في"، التي فتح من خلالها نافذة على موريتانيا عبر تقاريره المتميزة، والتي لم يخلع فيها عباءة المهنية، ولا رداء التحري...
وحين أطل نجم قناة اسكاي نيوز عربية التي تتخذ من دولة الإمارات العربية المتحدة مقرا لها، وأصبحت تستقطب الكفاءات الإعلامية من هنا وهناك، كان إسحاق ولد المختار من بين الموريتانيين القلة الذين التحقوا بها، وأبدوا خبرة ومهنية، جعلتهم يلفتون النظر، ويخطفون الأضواء.
ما كان لإسحاق أن تطأ قدمه الراسخة في الصحافة أرض سوريا الملتهبة، لولا تضحيته، وشجاعته، وإيمانه العميق بمهنة الصحافة، التي تحتم على ممتهنها الصادق، والوفي لمشاهديه نقل الأخبار طازجة من الميدان، قبل أن تتلقف وتلوكها ألسنة المحللين، وتمتزج بالشائعات فيصيبها التحريف والتحوير، وينتابها التأويل، وحينها يتبيغ الأمر على المتلقي، ويختلط عليه الحابل بالنابل.
إن حرص فارس الصحافة إسحاق ولد المختار على السبق، ولهفه الكبير إلى الميدان ـ وهو من يدري من أين تؤتى كتف الصحافة الجالسة "المكتبية" والصحافة الواقفة "الميدانية"ـ وطموحه في الوصول إلى ما يعجز الآخرون عن الوصول إليه، كل ذلك جعله يلج الصحافة من بابها الواسع، في وقت قل فيه من يأتي بيوت الإعلام من أبوابها.
لن يضير إسحاق محاولة تكميم فيه، ووضعه وراء القضبان، فذلك لن يثني ـ لا شك ـ شغفه وتقديسه لمهنة الصحافة، بل لن يزيده إلا إصرارا على مواصلة مشوار الكشف عن الحقيقة مهما كان حجم المخاطر التي تحدق بها.
إن على سائر الجسم الصحفي الموريتاني اليوم أن يتداعى بالسهر على إطلاق سراح ولد المختار، وأن يخرج من شرنقة التقوقع في العالم الافتراضي إلى رحابة العالم الواقعي، كما أن على السلطات الموريتانية أن تبذل جهودا في هذا الإطار، حتى يعود إسحاق إلى حمل الميكروفون، وامتشاق القلم.
/ صحفي [email protected]