ستون عاما من الاستقلال والقبيلة تسكننا ونسكنها / محمد عبد الرحمن الشيخ أحمدو

altيأتي هذا المقال بعد عدة أحداث عرفتها موريتانيا هذا العام كانت القبيلة سببا فيها ليبين مدى ارتباطنا الوثيق بممارسة القبيلة والتشبث بها كحاضر وليست كتاريخ قديم مرت عليه الأيام ولا يمكن إعادته اليوم، وسأحاول استعراض بعض الوسائل والأدوات للحد منها.

لا يخفى على أي متتبع لأثر القبلية وانعكاسها على المجتمعات العربية أن هناك دول مازالت تحت وطأة القبيلة والمظاهر الغير حضارية ولا متمدنة التي تظهر بين الفينة والأخرى، و هذه الدول من أكثر بقاع الأرض نزاعا وصراعا فهي دائما على خط عدم الاستقرار وكل مشاكلها لا يتم حلها بشكل نهائي بل تبقى نائمة بصفة مؤقتة ليثيرها فيما بعد أبسط الخلافات، ويضاف إلى ذلك كون المجتمع القبلي لا يمكن للطاقات الشبابية أن تمارس فيه نشاطاتها خارج إطار القبيلة وما تمليه الزعامات التقليدية والقبلية.

مهما حاول البعض أن يجد للقبلية ابسط إيجابية سيبقى من الواضح للعيان أن القبيلة لا يمكن أن تكون لها إيجابية واحدة مقابل ما يترتب عنها من السلبيات التي لا يتوقف ضررها على الأفراد فقط و إنما على المجتمع والدولة بشكل عام.

منذ الوهلة الأولى وحتى الآن وموريتانيا تحكمها القبيلة وما قامت فيها سلطة إلا ولها أساس قبلي، فالمستعمر وضع سياسته على أساس قبلي لأنه لم يكن يبحث في ذلك الوقت إلا عن الطريق الأقرب والأسهل لإحكام قبضته على الأرض "السائبة "

بعد رحيل المستعمر و إقامة دولة مستقلة  بمعايير حديثة ، بدأت مرحلة أخرى من تطور القبيلة ومواكبتها لبناء الدولة وظلت دفينة داخل المجتمع وثقل القبلية حاضرا بقوة إلى جانب الدولة والقانون بل إن الدول في كثير من أوقاتها العصيبة قد تلجأ إلى التنظيمات القبلية لإعادة توازنها لصالح حاكم معين ناهيك عن اعتماد القبيلة في معظم التعيينات في جسم الدولة

أين نحن الآن من القبيلة منذ ستين سنة من الاستقلال وتولينا لتدبير الأمور ومحاولة إقامة دولة لها مكانتها في التمدن والتحضر؟

إن التحول من مجتمع قبلي إلى مجتمع مدني لا يمكن ان يكون إلا بتدخل عدة أطراف وجهات معينة، وعلى رأسها الدولة التي ظلت عاجزة عن تحقيق الهدف من وجودها أصلا مما جعل الأفراد يلجئون إلى القبيلة كتنظيم وسلطة بدل الدولة وحكم القانون بل ويحتمون بالقبيلة من الدولة في أحيان كثيرة.

 فشل الدولة في القضاء على القبيلة يتمثل في عدم وضعها لسياسة تربوية تدرس القيم المدنية والمتحضرة كالوطنية-الانتماء للأرض وليس العرق- و تكرسها في حياة التلاميذ والطلاب اليومية لأنها ستشكل الجسر الذي سيفصلهم عن محيطهم الأسري "القبلي" الذي هو مهيمن، فالمدرسة بمثابة صمام أمان لأجيال المستقبل لكن قلة نجاعة السياسة التعليمية جعل القبيلة تتسلل إلى الأجيال واحدا تلو الآخر.فالقضاء على القبيلة هنا يعتمد على مساهمة المعلمين والأساتذة باعتبارهم أول من يبدأ غرس القيم الحميدة في صفوف تلاميذهم 

الجانب الأكبر من المسؤولية يتحمله قطاع الإعلام الذي أصبح في الألفية الثالثة قادرا على تغيير عقليات وسلوكيات المتلقي بشكل سريع وفعال إن وجدت الإرادة لذلك، إن كل شبكات البرامج التي يتم إعدادها في المؤسسات الإعلامية من مكتوب وتلفزيون وإذاعة، لم تضع في إستراتيجيتها محاربة أو القضاء على القبيلة أو التخفيف من وطأتها على الأقل، لم أشاهد برنا مج خاصا يعالج مشكل القبلية بل معظمهم يتحاشى ذكرها على الأثير فيما يبدوا، ناهيك عن أني لم أرى يوما من الأيام إعلانا واحدا من الوصلات الاشهارية التي اكتظت بها التلفزيون والإذاعة يبرز مدى خطورة النعرات القبلية والعصبية لماذا؟؟.

قد يقول البعض أنه في القانون ما يكفي لكن القانون ليس كقوة الإعلام الذي يدخل معظم البيوت ان لم أقل كلها فهو يقوم بدور التربية والتنشأة، لكن المشكل هو عائد إلى وسائل الإعلام نفسها وسياساتها التحريرية التي ذهبت إلى مجالات أخرى كالدعاية "بروبوغاندا" في فترة معينة لكن وحتى اليوم مع تحرير الفضاء السمعي البصري مازلت لم أرى شبكات برامج تسلط الضوء على هذا الموضوع الذي يطرح نفسه بإلحاح، بالعكس تناولته بعض المنابر الإعلامية من زاوية سلبية.

المشكل الكبير في موريتانيا اليوم والذي يلاحظه الجميع هو دخول القبيلة ونشاطها في الإعلام الاجتماعي وأصبحت هناك مجموعات مفتوحة باسم قبائل، فوسائل الاتصال الاجتماعية أصبحت الآن تعكس على صفحاتها النشاط والتفاعل الحقيقي للقبيلة في موريتانيا وهو استخدام سلبي لهذه الوسائل التي قد تعود عليهم بكثير من المنفعة لو استخدمت للتبادل المعرفي والثقافي وتقريب المسافات فيما بينهم بدل خلق المسافات والحواجز القبيلة

لو قلت لأحدهم أنك من المنطقة كذا وابن فلان ومن موريتانيا هذا لا يكفيه سيبقى يسأل عن قبيلتك لأنه على أساسها سيحدد علاقته بك ويتخذ منك موقفا بالرغم من أنكما على العالم الافتراضي، وهذا هو حالهم على أرض الواقع للأسف.

 

حقيقتا لا اعرف لماذا يفضل الإفراد القبليون عندنا الانتماء إلى قبيلة ضيقة الأفق والنظر بدل الانتماء للأرض الذي هو مشرف ومتمدن ومتحضر، ومعاملة الناس على أساس الجهد والعمل والمعرفة وليس على أساس قبلي عصبي لا يرجى منه إلا التخلف،وإقصاء الآخرين.  نحن الآن كدولة نصنف مع الدول التي تنخرها القبيلة و النعرات العصبية.

 

بقلم محمد عبد الرحمن الشيخ أحمدو

طالب بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط

[email protected]

23. أكتوبر 2013 - 14:09

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا