من "القبيلة الدولة" إلي "القبائل الدولة " / الحاج ولد المصطفي

 الحاج ولد المصطفيمفهوم "القبيلة الدولة" من مفاهيم الثقافة الأكثر تعبيرا عن طبيعة السلطة في الدولة الموريتانية الوريثة لأنظمة حكم القبيلة والعشيرة وقد عمل المستعمر الفرنسي علي تهذيب المفهوم ودمج عناصر سلطوية أخري ضمن نسيج الكيان الوليد ، فكان العسكر مؤسسة سلطوية حديثة لكنها منسجمة مع هذا المفهوم. فكيف نفهم اليوم تجليات المفهوم ؟ وماهو موقع الجيش ودوره ضمن سياسة القبيلة الدولة ؟ وكيف ينفذ حزب "القبائل الدولة" إستراتيجيته الإنتخابية من داخل أجندة المفهوم الجديد؟

تناولت عدة دراسات حديثة نشأة الدولة الموريتانية وربطتها بأساليب التنظيم القبلي وتأثير السلطة المحلية للقبائل ووظفت ذلك في التأسيس لمفهوم القبيلة الدولة والذي يعني : (أسلوب تنظيم القبيلة الموريتانية لرعاياها وطرق بسط نفوذها عليهم والتراتبيات الإجتماعية وموازين القوة داخلها) ولما كان المستعمر الفرنسي يهتم أساسا ببسط نفوذه وإحكام قبضته فقد أعتمد علي الزعامات القبيلة ودعم حكمها ونظمه وحماه أحيانا كما عمل علي المواءمة بينه وبين الجهاز التنفيذي للسلطة الحديثة ممثلا في الإدارة الإقليمية ومؤسسة الجيش (الحرس سابقا).

ترك المستعمر وراءه نظام حكم مركب من سلطة القبائل والقوة الحديثة والناشئة والتي احتضنتها أجندة "القبيلة الدولة "التي بدأت تطل برأسها منذ قيام الدولة الموريتانية وترسخت بقوة بعد أول انقلاب علي السلطة المدنية الساعية وقتها إلي إزالة رواسب الماضي السلطوي وتأسيس مفاهيم سلطة الشعب من خلال عمليات تثقيف واسعة قام بها "حزب الشعب الموريتاني" وقيادة حكيمة وجبارة تمثلت في مؤسس كيان الدولة الحديثة الأستاذ المختار ولد داداه رحمه الله .

لكن انقلابات متوالية أدت بمسيرة البلاد نحو التأسيس إلي الإنتكاسة القوية والإرتماء من جديد في أحضان القبيلة الدولة، فتسللت مع كل قائد انقلاب ثقافة القبيلة وأطماعها ونفوذها وتكرست بفعل سياسات لاواعية مفاهيم تخدم ذات الأجندة القبلية . فظهر الولاء المطلق ليس للرئيس فحسب ولكن لقبيلته ومورست أبشع أنواع التحزب القبلي وانتعشت الروابط العصبية السلطوية داخل الكيان الإجتماعي الممزق بين طموح الحداثة وأجندة الأنظمة التقليدية فتأسست علي إثر ذلك الإجتماعات القبلية وصناديق الدعم الخاصة والمؤسسات الإقتصادية والسياسية ذات الطابع القبلي ووصل الأمر إلي حد تدخل القبيلة في رسم سياسات الدولة واستخدام مؤسساتها لمصالحها، فهيمنت قبائل بعينها علي جميع الوظائف في هذا القطاع أو تلك المؤسسة لأن أحد أبنائها قد كسب القطاع أو نال المؤسسة كنصيب للقبيلة من ثروة "القبيلة الدولة" وكاد الأمر يصل إلي جميع المسابقات الوظيفية حتي العسكرية منها وضاعت تدريجيا ثقة المواطن الواعي في مؤسسات الدولة التجأ من جديد (تحت إكراه الواقع) إلي القبيلة باحثا عن عمل أو مسكن أو ملبس أو مشرب .

لقد كان التقرب لقائد الإنقلاب يقتضي من موظفي الدولة التنقيب عن جميع أبناء قبيلة الرئيس من أجل إرضائهم وتمكينهم قبل غيرهم لأن الموظف يدرك أن ثقافة "القبيلة الدولة "أصبحت متحكمة ولابد من مسايرتها .

ومع بزوغ فجر السادس من أغسطس 2008م كانت البلاد قد رسخت ممارسة سياسية قائمة علي ثقافة "القبيلة الدولة" وكانت جميع مرتكزات الحكم قد أصبحت متاحة لكل إنقلاب يطيح بقبيلة ويمكن لأخري .

لكن القبيلة الجديدة لم تعد تمارس نفوذا اقتصاديا وسياسيا فحسب ، لكننا أصبحنا أمام نفوذ عسكري في إطار "تحالف قبلي" .هذا المعطي الجديد ظهر واضحا في الصف الأول من قيادات الجيش التي أصبحت تباشر العمل السياسي في الإطار القبلي بشكل رسمي وعلني وظهر كذلك في سياسة حزب سلطة "القبائل الدولة" "حزب الإتحاد من أجل القبائل" .

لقد انتقلنا من صراع سوسيو ثقافي تاريخي بين سلطتين متعايشتين هما سلطة الدولة وسلطة القبيلة إلي وضع جديد تتضامن فيه وتتشابك وتتداخل وتتنافس القبائل..!

وهاهي النتيجة الطبيعية لهذا الصراع تتكشف وتتجلي في لوائح حزب "القبائل الدولة" والتي أبانت عن ذلك التحالف الغريب بين زعامات تنتمي شكلا لمفهوم سلطوي حديث هو مؤسسة الجيش الوطني وبين مفهوم تقليدي استعبادي أوصل البلاد إلي رقم 1 في ممارسة الإسترقاق وانحدر بالوعي السياسي إلي أدناه وحاصر الأحزاب الديمقراطية في خانة (المشارك كرها أو المقاطع كرها)وعزل الوعي والعقل والمنطق ...... فإلي أين نحن سائرون حقا؟

25. أكتوبر 2013 - 14:29

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا