انطوت الأحكام على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها بامتياز واغلبية مريحة الرئيس المنتخب السيد محمد ولد الشيخ الغزواني على مفارقة غريبة،فمن جهة، على الرغم من شهادات المراقبين الوطنيين والاجانب بأن هذه الانتخابات لم تشهد اي شكل من التزوير، وأن اغلب المترشحين اعترفوا بنتائجها وهنأوا الرئيس المنتخب، كما هنأه ساسة العالم والمنطقة العربية والافريقية. ومن جهة اخرى، لم يعترف احد المترشحين بتلك النتائج واعتبرها مزورة، وانه هو الفائز دون ان يقدم طاقم حملته اي دليل على ذلك، ودون ان يقدم نفس الطاقم في الاجال المحددة طعنا امام المجلس الدستوري، ثم دخلت قوى مساندة له على الخط ساعية الى تنفيذ اجندة من الواضح انها مبيتة.
ان هذه المفارقة المحيرة تدعو الى اكثر من تساؤل. لقد عرفت بلادنا اكثر من انتخابات تحفظ بعض الفرقاء على شفافيتها ونزاهتها، لكن أولئك الساسة رغم قلة النتائج التي تحصلوا عليها، استمروا في العمل السياسي مستخلصين الدروس والعبر من تجاربهم الانتخابية.
من حقنا التعبير عن خشيتنا من أن الحراك الرافض ظاهريا لنتائج الانتخابات تقف وراءه في الواقع قوى تعمل على أجندة تستهدف في تصورهم التغيير، لكنه بوعي أو غير وعي مشروع يقوص وحدة وتماسك مكوناتنا الوطنية.
إن الحراك الذي بدا منذ عدة سنوات حول ظاهرة العبودية ومخلفاتها لم يسعي القائمون عليه الى القضاء على الرق ومخلفاته كما عملت كل الحركات السياسية على ذلك بما فيها حركة الحر، لكن الجيل المتاخر على حركة الحر انزلق الي نظرة شرائحية وفئوية توحي بشرخ داخل جسم مجموعة العرب او البظان الموريتانيين الى حد ان بعضهم يذهب الى اعتبار أن لحراطين يشكلون قومية في تعارض مع القومية العربية، كما لوكان استبدال هوية بأخري وسيلة للتحرر والانعتاق.
إن هذا الطرح المجافي للبعد الحقيقي للقضية باعتبارها في الاصل قضية اضطهاد اجتماعي له مخلفات تتمثل في الجهل والفقر والاقصاء والتهميش لا يمكن معالجته إلا من خلال إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية وتربوية وفق مقاربة وطنية تنموية شاملة و هو الحل الوحيد.
إن النزعة الشرائحية ذات الطابع العرقي، الذي بات اشخاص معروفون يتنافسون على زعامتها لاسباب شخصية خاصة، وما تحمله من حدة الخطاب الذي يراد به استقطاب شباب ضحايا مخلفات الرق، هي الوقود الذي تشعل به نار التباعد بين المكونة الواحدة، ويدفع هؤلاء الشباب الى الشارع في إطار تحركات ما بعد الانتخابات الرئاسية.
فما كان لهذه النزعة أن تاخذ مداها لولا مكافأة التطرف والمدافعين عنه الذي ادى الى نشر الخطاب الشرائحي وزيادة اعداد المتطرفين والشرائحيين المصطفين اليوم ضد التعبير الحر وسيادة ارادة الشعب الذي انتخب باغلبية واضحة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على أساس حصيلة ماموريته الأولى وبرنامجه الانتخابي للمامورية الثانية، ويتعاظم مشروع الفرقة والتقسيم خطورة لما تنضم له حركة افلام العنصرية والانفصالية المعروفة بعدائها لوحدة الشعب والوطن.
إن هذه الحركة التي يعود تأسيسها الى سنة 1986 باندماج عدة تنظيمات كل اعضائها من اخوتنا المنحدرين من الضفة جربت منذ ذلك الوقت اشكالا مختلفة من النضال السياسي أولا والمسلح بعد ذلك لكنها لم تنجح. واليوم تمتطي الاحداث المترتبة عن الرئاسيات لتسجل جانبا من مشروعها المتمثل في فصل شريحة لحراطين وضمها كما ينص على ذلك "بيان الزنجي الموريتاني" Le manifeste du nègro Mauritanien الذي تم نشره سنة 1986 والذي يضع لحراطين على رأس قائمة المجموعة السوداء La communauté noire، بالاضافة الى البولار والسوننكي والولوف والبنبرا.
والواضح من هذا التحديد الوارد في أهم وثيقة لحركة افلام إرادة لتجسيد جانب من مشروعها. غير انها لم تجد اذانا صاغية إلا مع بعض الاشخاص الواقفين معها اليوم لتحقيق استراتجبتها الاصلية القاضية بفصل جزء من نخبة لحراطين عن عمقها الاجتماعي أولا، ثم تسخيرها لمشروع التقسيم والانفصال الذي تسعى حركة افلام لتحقيقه. ومهما يكن من أمر، ورغما عن كل المساعي الرامية إلى تقسيم الشعب الموريتاني، فان كل المحاولات التي قامت بها التيارات الانقسامية ستنتهي كما انتهت في الماضي أن تتحطم على صخرة صماء قوامها وحدة مكوناتنا القومية وشرائحنا وفيئاتنا الاجتماعية، ولن تكون الانتخابات والتناوب السلمي على السلطة فرصة لذلك