لا أحب الحديث في السياسة بسبب نفاقها وزيف مبادئها، خصوصا في بلد متطور كبلدنا تتهافت ضباعها فيه على وجاهتها الشيطانية وكراسيها النيابية المثيرة التي قد يحتلها بدو يختزلون الحضارة كلها في شارع جمال عبد الناصر بسبب قبليتهم التعيسة وبعدهم عن التمدن، فقل لي بالله عليك ما الذي سيقدمون لهذا البلد وكيف ينهضون به؟..
ورغم أني أعلم أن الحديث في السياسة أو ممارستها في بلدنا لا يقدم ولا يؤخر إلا أنني سأدلي بدلوي في مستنقعها الذي هو أكبر مرتع للطفيليات الباحثة عن المنافع الشيطانية الغير مباركة، وذلك من خلال رأيي المعاكس لتيارها..
ولن يختلف معي أحد في أن السياسة عندنا تجارة ككل البقالات والصيدليات والزعامات الدينية التي ما انزل الله بها من سلطان، كلها وسائل لغاية واحدة هي تحقيق المنافع على حساب الآخرين، والتغذي على ثمار الظلم والمحسوبية المشئومة..
إن السياسة عندنا مجال آخر للربح، وأكاد أجزم بأن السياسين تجار كلمة، والأسوأ من ذلك غفلتهم بسبب ذلك الفن الشيطاني عن الأهم وهو تعلم دينهم ونصرته في خطاباتهم وآرائهم رغم أنه مطيتهم الوحيدة إلى الجنة التي اعتقد أنهم يحلمون بها جميعا إن لم أكن مخطئا، فالواحد منهم يقضي عمره في الإجتماعات السرية والعلنية، والمهرجانات والسفسطات والحركات، والإنسحابات والإنضمامات، وقراءة الكتب السياسية والفلسفية والشعر والرواية، ومتابعة قناة الجزيرة السياسة التي لا تفيد على مدى 24 ساعة، وينسى ما هو أهم من ذلك كله وهو انه سيسأل عن شبابه وعمره فيم أفناه، وذلك أدى بطبيعة الحال إلى انعدام المبادئ لديهم، فالواحد منهم يتقلب كريشة في مهب الريح حسب أمواج المنفعة والمصلحة والنفاق، بل يكادون يعرفون سياستهم بأنها الكذب بعينه، والسياسي البريء الصادق اللسان مثلي (ههههه) يعتبر مسخرة عند الطحالب والسياسيين المخضرمين! فقولوا لي بالله عليكم ما الذي يمكن للكذب والنفاق والتمصلح أن يجلبه من خير؟
وكما هو معروف لابد من أجل تحقيق النجاح في السياسة عندنا من قوة وسلطة لا يكفي في ذلك التقوى وسلامة المنطق، لذلك يندر أن ترى عسكريا هبط من ثكنة في قصر رئاسي بانقلاب يغادره بالإنتخاب! لذا تعتبر الديمقراطية في أمثال بلدنا مسخرة، بل غطاء للدكتاتورية ومطية لها..
وبدرجة أقل تنفع الكتل البشرية الإنتخابية في السياسة خصوصا في الأمور التي يسمح العسكر بمشاركة المدنيين فيها، وهي كل ما عدى الإنتخابات الرئاسية المقدسة عنده، كالإنتخابات النيابية المنافقة، والمنافع التي يرشى بها وجهاء القبيلة وشيوخ البدعة عليهم من الله ما يستحقون هم وكل من أكل حقوق المستضعفين واستغلهم..
فالمدراء يهبطون في الوزارات بالمظلات قادمين من شوارع البطالة الفسيحة لأنهم أبناء وجهاء أو يعرفون بعض الوجهاء الذين لا تغني وجاهتهم من النار لا هم ولا شيوخ البدعة..
والتعيينات مبنية على وساطات السوء الغير مباركة، وآخر ما يطرحه المسئولون عن هذا البلد على أنفسهم هو: هل لذلك القطيع دور في نفع هذا البلد، عليهم جميعا من الله ما يستحقون..
كذلك لشيوخ الدين الآخر دور مهم في السياسة وذلك من خلال تعبئة جيوش المساكين المؤمنين بقدراتهم المزعومة، فهم بدل الإبتعاد عن السياسة وشهواتها (كما يدعون) يرتعون فيها لأن أسس أفكارهم مبنية على سراب البدع، وطرقهم أبعد شيء عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وهي طريق الزهد في الدنيا، ذلك الزهد الذي لا وجود له في قواميس أولئك الأشاعبة (إن صح الجمع)..
إن الواقع الذي نعيشه في بلدنا سيؤدي بنا يوما إلى خسارة نعمة العافية – لا قدر الله، فما يصيب الناس هو بسبب ذنوبهم، فالبدع منتشرة والعلماء يخجلون من مجرد الإشارة إليها بأطراف ألسنتهم، والظلم متفش، الضعيف يطارد في الشوارع لا يجد أين يضع طاولة يسد بها أفواه أطفاله الجياع في حين أن الغني يغتصب ساحات بلوكات وأراضي تفرق شين دون رقيب!
والعاطلون عن العمل يهيمون بحثا عن مكان في شارع الحياة الفسيح، ومنهم من يقترب من سن اليأس الوظيفي (الأربعين سنة التي أصبحت 36 في كثير من المسابقات) لا بارك الله في واضعه. وبدل العدل وترك الناس ينجحون بأقلامهم، والحرص على إعطاء الأولوية للكهول المقتربين من سن اللعن الوظيفي وهم أحوج إلى الوظيفة من غيرهم، نجد الظلمة لا بارك الله فيهم يمنعون حتى المستحقين للنجاح بأقلامهم من النجاح، فنرى من لا يكتب اسمه بلغة المسابقة (الفرنسية مثلا) ينجح بوساطة مشئومة على غيره في حين أن الذي يجيب على الأسئلة كلها يفشل في المرور لأنه بلا وساطة!
حتى الإنترنت يفكر البيظان في سد شمسه بغربال تخلفهم من خلال سن القوانين الظالمة الكابتة للحريات، وبدل أن تكون الهابا (اسم شيطان؟، هههه) التي ما وجدت إلا لدعم الحريات - وقد كان أصحابها أكثر المتاعيس جوعا وتعرضا لضربات الشمس في سبيل تحصيل لقمة العيش - مناصرة للقضايا الحرة نلاحظ بداية انحرافها إلى طريق الشيطان من أجل الربح ككل منافقي هذا البلد الكئيب، فبدل أن تكون داعمة لحرية الرأي نجدها توافق المقيدين للكلمة من أهل الضلال والكذب العسكري والسياسي بسن القوانين المكبلة لحرية الرأي في بلد لا يملك معظم ساكنوه إلا الكلام الذي لا يغني من جوع..
وفي هذه اللحظة أستمع إلى صحفي أشمط يطل علي كالعفريت من نافذة برنامج تلفزيوني تافه، يقول بأن العاطلين عن العمل لم يجدوا ما يفترسونه سوى مجال الصحافة فاغتصبوا عذريتها وطهارتها، ولا يعلم المسكين أن صحافته النجسة لم تكن يوما عذراء، أراد بذلك أن يحرم الناس حتى من الكلام، ولن ينجح "كان غيره وغير هاباه أشطر"..
أما السياسة فمن الملاحظ أن حزب تواصل الذي يدعي انه إسلامي، ولا اعرف على ماذا يقيم دعواه تلك؟ يتعرض في هذه الأيام لحملة شرسة من قبل العلمانيين الجهلة المساكين، وبعض الثورين الذين يعتقدون أن الفيس بوك يستطيع قلب نظام! وتواصل خير من الجميع لأنه على الأقل يحاول أن يتلبس بلباس الإسلام، والله اعلم بخلفية رجاله السياسيين المتشدقين، فالبعض يحاول اليوم الطعن في مشاركته في الإنتخابات، ورئيسه المسكين حائر بين التبرير والصمت (لاحظت ذلك من برنامج تلفزيوني ممل)..
إن ما يجري في هذا البلد المضحك أمر محير، فمن المعروف أن عمق الهوة بينه وبين التحضر يزداد تجليا وظهورا، ولا يكفي الكلام والتنظير والبحث عن الأضواء في حل تلك المعضلة كما يفعل بعض المغفلين الذين يحاولون إصلاح ما لا أمل في إصلاحه على المدى القريب على الأقل، رافضين بلك الإعتراف بالخلل الذي نعيش فيه، فالعاصمة ليست مدينة! وكل قادم إليها من الأجانب إما أن يلعنها في سره أو في علنه! وقبل قليل أخبرني صديق بأن معه نصارى يريدون منه أن يريهم العاصمة فقلت له اذهب بهم إلى الصحراء أو إلى البحر أما غير ذلك فقطعا لا يرغبون في رؤيته، ورغم هذا ترى البدو ورئيسهم يدعون كل من هب ودب مقيمين المهرجانات واللقاءات بدل التستر على خيبتهم في بناء الإنسان والحجر..
فالمسئولين عن الإصلاح (حكومة ومثقفين) مجرد ضباع باحثة عن افتراس بنات الفقراء، وملأ الجيوب والبطون، لا أشبعها الله ما لم يتغير أصحابها..
ولن تعجب عندنا من رئيس يقول إنه حقق النسبة الكبرى من برنامجه الإنتخابي!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! والسؤال المطروح: أين حققها؟ على المريخ أو على الزهرة؟ فنحن لم نر لها أثرا في حياتنا بل ما نراه هو عكسها تماما..
ولن تعجب من مسئول عن الصرف الصحي يقول بأن بداية مشروع الصرف الصحي المكلف القادم ستكون من المقاطعتين الخامسة والسادسة، كأن هاتين المقاطعتين مقاطعتين صالحتين لا مزبلتين؟!
ولن تعجب من شركة تنظيف أوساخ تنظف يوميا ما لا يمكن تنظيفه (نواشكوط)! فشوارع العاصمة ومبانيها تحتاج إلى الرمي في الزبالة بدل التنظيف!
ولن تعجب من مثقفين يتهافتون على جيفة التشيع طمعا في القليل من دولارات أبناء المجوس، منطلقين في ذلك من العقلية البيظانية التي لا يعرف طمعها الحدود..
ولن تعجب من آباء يرمون بأنفسهم في أحضان نساء صغيرات في سن أبنائهم ضاربين بعرض الحائط نتاج حياتهم السابقة (رفيقة الحياة وأبنائها)، رامين بالكل في شوارع الحياة رغم قدرتهم على مواصلة إحيائهم بالخير بدل تركهم للذبول كالأشجار التي يتوقف صاحبها فجأة عن سقيها بسبب شجرة سامة يظنها حلوة، فتلك العقليات البيظانية تفعل كل شيء من أجل منافعها وشهواتها المقربة، ولا ترتكز في ذلك إلى الدين لأنها لا تعرفه، والدين لم يأمر بالزكاة ويمنع منها أقرب المقربين كالأبناء مثلا إلا لأن لهم حقا أكبر من الصدقة، والبعض يمنع أبنائه من الزكاة ومن ذلك الحق فيكون وضعهم أسوأ من وضع الفقراء المساكين بسبب الجهل والشح!!..
ولن تعجب من عاطلين عن العمل لا أمل لهم في النجاح في المسابقات النادرة بسبب وساطات السوء، رغم ما لتلك الوساطات من مجالات أخرى غير مسابقات المساكين النادرة، فالداخلون في سلك الوظيفة من نوافذ القبلية ومعرفة الوجهاء لا يعدون، وهم يدخلون متلصصين في كل يوم حتى أن بعض المصالح ضاقت بالمقربين من المخلوعين الذين كانوا يديرونها عليهم وعلى المدراء الجدد من الله ما يستحقون..
ولن تعجب من علمانيين وسياسيين يبعدون الدين عن تقويم حياتهم وحياة مجتمعهم معتقدين أن فصل الدين عن السياسة من الفقه في شيء!! ويضحكني منهم تلك اللبوة الشرسة التي علمت مؤخرا أنها طردتني من قائمة أصدقائها في الفيس والحمد لله حمدا كثيرا فلا نفع في تلك المعرفة ولا في معرفة كل من يبث أفكار الشياطين وهو يعتقد انه على شيء غير الضلال، وأنا عندما أجادلهم فللنصح لا غير، ولا سلطان لي على الذين يدسون أصابعهم في آذانهم، ولا يعنيني أمرهم في شيء فالله تعالى أغناني عنهم وعن كل منان..
ولن تعجب من مواطنين بنيت عقولهم على التدافع من أجل تحقيق مصالحهم الذاتية الأنانية على حساب مصالح الآخرين، ترى ذلك في المرور وفي الطوابير وفي كل مكان، فتقديم الذات وعبادة منافعها بكل إيمان يدفع الشيوخ والأطفال إلى القيام بحركات أنانية يندى لها الجبين، لا يمكن أن يقوم بها من يحترم نفسه.. والمضحك أنني عندما أرى سوء الخلق ذلك أتذكر سبع جراء صغار كانوا عندي كنت عندما أضع لهم طعاما في صحن أقف لأضحك من شراهتم الصارخة، فكأن الحرب قد قامت على تلك الوجبة، نباح وشجار وتدافع وبلع بسرعة يريد صاحبها أن يبلع ما تحت أنف الكلب الآخر، حتى إن الشاة لتؤكل في ثوان معدودة كأن لم تكن..
إن من حق الواحد منا السعي في تحصيل ما ينفعه لكن ذلك لا يجب أن يكون على حساب الآخرين، فهو حينها يتحول إلى ظالم سيسأل عما حصل إضافة إلى انعدام بركته عليه..
فهل يمكننا عذر من يرتكب تلك الحماقات بالقول إنه إن لم يفعلها فلن يستطيع الحياة بين الضباع، فمثلا إذا احترمت سيارتك طريقة الصعود إلى الطريق أساسي فوقفت تنتظر مرور السيارات الأخرى لكي تصعد فلن يتركك أحد تفعل ذلك، خصوصا إذا رأوك تشير بأدب ب (signal) مظهرا نيتك الصعود إن وجدت الفرصة، وستلاحظ أن الحمير السائقين للسيارات الآتية يزيدون من سرعاتهم لكي لا تصعد وتشغل وقتهم الضائع بصعودك غير المرغوب فيه (لإنعدام الأخلاق والرحمة والإشتراكية المحمودة في الملكيات العامة كالشوارع وغيرها)، وستجد نفسك تصعد بدون تفكير موقفا حركة الإتجاه القادم كله بأنانية لكي تتمكن من المغادرة، وشيئا فشيء ستعتقد أن على من أراد الحياة بين الحمير أن يكون حمــ..
أما الخلاف في الرأي فهو عندهم عداوة، فبدل أن يوجه النقد إلى الفكر والرأي، يتم توجيهه إلى شخص الحامل له، وهكذا تدب الأحقاد والعداوات الشخصية لتقف حائلا دون البحث عن الحق من خلال الحوار وقراءة الكتب المخالفة، وتحرم العلماء من الحديث عن البدع بوضوح، وتحرم الصغار من مجرد الثرثرة حول الخلافات..
فهل لممارس السياسة الحق في أن يدلي بدلوه في بئر المنافع الذي يتهافت عليه البيظان ومن جاورهم من الفلان؟
وهل للمختلف معك في الرأي الحق في أن يختلف معك حتى في التنفس بالأكسجين (التعايش)؟
وهل للقبيلة الحق في أن ترشح من تشاء من المتعفنين الذين لا يقدمون بل يؤخرون؟
وهل للرئيس الحق في أن يضحك علينا بلعبة الديمقراطية الكاذبة وهو يعلم أن الثكنة هي التي تحكمنا بقوة الدبابة؟
وهل للعلمانيين الحق في أن يتكلموا ويسكت المسلمون في مصر وفي كل مكان؟
لن تجيب بصدق على كل هذه الأسئلة إن كنت موريتانيا..
إن لم أكن مخطئا!!