لقد أستبشر الكل خيرا عندما أعلنت الحكومة الحالية عن إنشاء وكالة التضامن , وتفاءل الكل عندما أطل عليهم المدير العام لهذه الوكالة بشعاراته وخطاباته التي صبَت في مجملها إلى نصرة المظلوم وإنصافه وإعطاء المحروم ومواساة المعوز وإغناء الفقير, إذ تعهد السيد المدير بحل مشكل آدوابة
الضارب في القدم , والمتمثل كما هو معلوم في الفقر والجهل والتخلف والحرمان والتهميش ...إلخ , وتعهد السيد المدير بالقضاء على كل المشاكل التي يعانون منها , وأعلن مدعوما دعما تاما من طرف رئيس الجمهورية أن كل تلك المظاهر سيتم القضاء عليها كليا , وأن الدعم سيأتي سريعا ماديا ومعنويا , وطبعا خصصت الدولة لهذه الوكالة غلافا ماليا فاق المعتبر...!!!
وأعلن المدير العام لهذه الوكالة أنها تتبنى المتضررين من مخلفات الرق فقراء كانوا أو محرومين وكل ضحايا الظلم بأنواعه , وأعلن أن هذه الوكالة مخولة قانونيا لذلك , وأنها تتمتع بكامل الصلاحيات لرفع الدعوى والمتابعة نيابة عن المظلومين والمحرومين , وتعهد أنها "وكالة التضامن" ستقف إلى جانب كل متضرر دون تأخر أو تردد حتى يتم إنصافه , وأعلن أيضا أنها ستعطي بسخاء كل محروم في الماضي حتي يتم الرضا والقبول , وتعهد بالعمل الجاد والبناء مع المنظمات والهيئات الحقوقية ووعدهم بحسن العلاقة وكامل التعاون , طبعا لأن هدفها المعلن" الوكالة" هو نصرة المظلوم والقضاء على الفوارق الاجتماعية التي باتت تأرق الجميع ...
وبدأ السيد المدير جدول العمل في هذه الوكالة "التضامن" برحلات جابت البلاد طولا وعرضا , ووقفت على ميادين التضرر, وطبعا تابع الكل ذلك عبر شاشة التلفاز , وكان في كل مرة يقف فيها المدير العام لهذه الوكالة عند نقطة من النقاط المستهدفة (آدوابة)يتكرر الخطاب ويتجدد نفس الإعلان ويكشف عن نفس الحالات المرضية (الجهل .الفقر.التهميش.الحرمان. التخلف.) وطبعا إذا كشف الداء سهل إيجاد الدواء.
بعد ذلك عاد المدير العام لهذه الوكالة من رحلاته هذه التي وصفها البعض بالكرنفالية , ووصفها البعض الآخر بالرحلات التفقدية و الاطلاعية ...إلخ.
وطبع نجحت حملتها الإعلامية الأولية وبشكل كبير , وجلس الكل ينتظر النتائج الملموسة و المنتظرة عقب هذه الزيارات والإعلانات و الاطلاعات الميدانية , وتحقيق النجاح الفعلي الميداني بعد الإعلامي ....
وبعد الانتظار, انكشف المستور واتضح أن لا جديد يستحق الذكر , فلا المال المخصص لدعم المتضررين انفق عليهم ولا المظلومين انتصر لهم ولا المحرومين قدم لهم ما كانوا ينتظرون لا في شكل مساعدات ولا في شكل تعاونيات أو غيرها , ,إنما بدا جليا أن دور هذه الوكالة أقتصر على تلك الحملة الإعلامية التي أخذت ذلك الزخم الكبير والتوقيت الممنهج, فيما بدا أنه مجرد حملة إعلامية تسبق الحملة الانتخابية بزمن قصير, يتم من خلالها ومن خلال شعاراتها سلب إرادة المواطن المسكين وتقييد حريته في الاختيار بفعل سياسة الإطماع والتجويع والإشباع, والعمل على الأفق الضيق المسمم بالقيود السياسية وتوظيفاتها , دون مراعاة لحقوق ومستقبل الأجيال القادمة, التي تستحق علينا عدم تصدير مشاكلنا إليها وعدم تسميم الروابط الاجتماعية وزرعها كقنابل موقوتة , وإلغاء العبء عليها, بفعل تجذير هذه المشاكل وتفضيل الكسب المادي والارتزاق المشبوه بل المفضوح عليها كأجيال تقع مصالحها ومصالح مستقبلها في اعناقنا...!!!
إن أي تضامن لاينظر إلى مخلفات الرق وكل المشكلات المترتبة على قضايا الإرث الإنساني على أنها مشكل وطني , لايمكن علاجه إلا بالحوار الجاد والصريح والمفتوح أمام الكل , لايمكن أن ينتظر منه النجاح , وتحقيق أهداف التضامن , ثم إن نجاح هذه الأهداف وتحقيق المأمول منها يقتضي الفهم السليم والسريع أن المشكل المطروح والمتمثل في (الفقر والتهميش والحرمان والجهل والتخلف ..إلخ , لايمكن أن يكون حله مقتصرا على حكومة معينة ولوحدها , لأنه وببساطة سيقع في ماوقعت فيه هذه الوكالة من التسييس والارتجالية والرؤية الأحادية والتوقف السريع.
عثمان جدو ـ كاتب وناشط حقوقي .