كيف يكون العبور الآمن ..؟ من أين وإلى أين ..!؟ الحسن ولد خيمت النص

شهدت البلاد مؤخرا انتخابات رئاسية، تنضاف إلى سجلها الديمقراطي الحافل بالاقتراعات التعددية والاستفتاءات الدستورية؛ رغم المآخذ الجمة منذ بداية المسار الديمقراطي 1991م إلى اليوم.

لقد شكلت هذه الانتخابات فرصة تاريخية للشعب الموريتاني، لِاختيار رئيس جديد للبلاد، يحترم البزة العسكرية ولم يرتديها؛ لكن يأبى السيف إلا أن يظل أصدق إنباء من الكتب في مجتمع حديث العهد ببيت من الشَّعر ينشد فيه بيتا من الشِّعر.

كنت أتوقع أن يكون الشعب قد استفاد من التجربة التي ترى أنه من الغباء تكرار المحاولة بنفس الأدوات وانتظار نتائج مختلفة.
وأنه لا يمكن الاطمئنان لمن خدعنا ولو مرة واحدة.

كان حري بالشعب أن ينتخب وجها جديدا لعل الخير يجري على يديه.
 وكان من بين المتنافسين مَن يستحق التزكية، وتقلد المنصب؛ كزعيم المعارضة الديمقراطية رئيس حزب تواصل السيد حمادي سيد المختار إلا أن الأغلبية أرادت تجديد الثقة في الرئيس المنتهية مأموريته، وهي رغبة تُقَدّر لأصحابها .. وتُلزِم الجميع بضرورة احترام القانون.

وهذه مناسبة لتهنئة زعيم المعارضة حمادي ولد سيد المختار على الروح الديمقراطية التي يتمتع بها، ومن خلاله أهنئ حزب تواصل .. هذا الحزب الذي يجسد الوحدة الوطنية بحق، ويحترم الآجال والنظم .. ولم يخرج على مبادئه قط.
هذا الحزب الذي ينتخب هيئاته بشكل اعتادي، وينطلق من المبدإ القرآني "وأمرهم شورى بينهم"؛ حيث لا إقصاء لأحد ولا ترميز لآخر.

لاحظت خلال حضوري لبعض مهرجاناتهم دقتَهم في التنظيم، وعفةَ لسانِ مَن يتحدث، وحيويةَ الشباب وقوةَ حضور المرأة واستماتةَ الشيوخ من أجل نجاح مشروعهم المشروع.

  إن انتخاب رئيس البلاد في جو يملؤه التنافس الإيجابي لَأمرٌ يستحق الإشادة، ويشي بأن ديمقراطيتنا بدأت تنضج أكثر، وإنّ أيّ قول أو عمل من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار لَمدانٌ ومرفوض تماما. 

 انتهت اللعبة -إذاً- ونجح الرئيس غزواني، وبقِيَ نجاح الديمقراطية مربوط بترجمة أقوال الساسة إلى أفعال، ووعود الرئيس المنتخب إلى إنجازات.
أما غير ذلك فيعتبر نجاحا للشكل دون المضمون.

نجح الرئيس غزواني رغم ما صاحب العملية من منغصات تصل درجة التزوير؛ كشراء الذمم، واعتماد سياسة العصا والجزرة مع الوجهاء والأطر وزعماء القبائل حتى صَوّتَ أغلب الناس تحت ضغط الترغيب  والترهيب.
لذا نجح الشكل وبَقِيَ المضمون ينتظر ترجمة الأقوال إلى أفعال.

*بقي أن تتقلص البطالة خلال المأمورية الجديدة بشكل جلي، وتتوقف قوافل الهجرة نحو المجهول.
فنسبة البطالة تصل 60% وعدد موظفي القطاع العام لا يتجاوز الأربعين ألفا في الوقت الذي تشهد أغلب القطاعات الخدمية نقصا في الكادر البشري.

*بقي أن تضع الدولة يدها على المعادن، وتتخذ تدابير وإجراءات من شأنها استفادة المواطنين وضمان عدم استنزاف خيرات البلاد.
حيث تملك موريتانيا ثاني أكبر منجم للحديد في القارة الإفريقية بعد جنوب افريقيا، وأكثر من 25 مليون أونصة من الذهب، وحوالي 28 مليون طن من النحاس، وأكثر من 140 مليون طن من الفوسفات
وأكثر من 70 مليون رطل من اليورانيوم.
وأكثر من 2 مليار طن من الجبس.
وأكثر من 11 مليون طن من لكوارتز
و 100 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.

*بقي أن تقف الدولة في وجه العابثين بالثروة السمكية الذين يبيعون طن السمك للأتراك وغيرهم بثمن الكيلوغرام الواحد في نواكشوط (10 دولارات).
وللتذكير فإن طول الشاطئ على المحيط الأطلسي يصل 750 كلم وهو يتميز بغناه وبتنوع ثروته السمكية.
(ثاني أغنى شاطئ بلد عربي وافريقي بعد المغرب)

*بقي أن تتحسن الظروف الصحية للمواطن حتى لا يضطر الوزير أو المدير أو رجل الأعمال إلى الاستشفاء خارج البلاد.

*بقي أن نرى التعليم للجميع، ومن أجل الجميع؛ حتى لا يتسرب ابن الهامش مبكرا، ولا يضطر ابن الميسور للتسجيل في المدارس الخصوصية الأجنبية.
وللعلم فإن نسبة الولوج إلى التعليم متدنية جدا ونسبة المتسربين مرتفعة جدا، ونسبة الأمية تتجاوز ال 40%

*بقي أن نحقق اكتفاء ذاتيا في الحبوب والخضروات واللحوم ومشتقاتها؛ لنعزز استقلالنا حيث تملك البلاد:
500 ألف هكتار صالحة للزراعة وملايين رؤوس الحيوانات (الغنم والبقر والإبل) ورغم ذلك لا وجود 
لمصانع لمعالجة الجلود، ولا استغناء عن استيراد الألبان ومشتقاتها من آلمانيا وغيرها، كما تظل الحاجة ماسة إلى الأرز والقمح والشاي والسكر والخضروات المستوردة.

*بقي أن ينعم المواطن في المدن والأرياف بالأمن والأمان، ويتمكن من الولوج بكل أبهة وشموخ إلى الخدمات الأساسية (الماء والكهرباء الاتصالات والمواصلات والإنترنت) دون انقطاعات.

*بقي أن تقضي الدولة على أسباب العنصرية والشرائحية، وتضرب بيد من حديد كل أصحاب الأجندات التمزيقية للمجتمع والبلد.  

فاتساع دائرة مَن يشعرون بالفوقية ومن يشعرون بالدونية من شأنه أن يتسبب في الصدام.
-لذا على السلطة الحاكمة أن تسعى إلى تقليص تلك المساحة حتى لايبقى فيها متسع لأي عنصري من الجهتين أو شرائحي.

-نحن نحتاج إلى علاج مجتمعي يبدأ من البيت ويكون أساسه أن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى؛ وتبقى السلطة الحاكمة المعنيّ الأول بكل إصلاح مجتمعي يشعر فيه المواطن بالعدالة الاجتماعية.

*بقي أن تبعد السلطة المنتخبة كل فاسد، وتستفيد من أصحاب الكفاءات، وتنتهي من إكراهات الولاءات والمحسوبيات والزبونيات والحديث عن التراكمات.

*بقي أن تنتهج الحكومة سياسة اقتصادية من شأنها زيادة النمو في السنوات القليلة القادمة لتصل نسبته 15% على الأقل، وتحقق الرفاه للمواطن .. فالموارد كانت ولا تزال كافية، لكنها للأسف ظلت منذ عقود تذهب إلى بطون المتخمين بحب الشهوات، والغافلين عن يوم الحساب.  

إنهم ثلة قليلة ما انفكت تتناوب على المناصب والمكاسب .. تعيث في الأرض فسادا .. همْ أرَضَة أكلت الأخضر واليابس .. همْ سوس ينخر جسم الدولة.
وقد آن لهم أن ينتهوا .. ينتفوا من أرضنا .. آن لهم أن يرفعوا أيديهم عن خيراتنا .. ثرواتنا .. حتى يكون "العبور الآمن" اسما على مسمى ...

 

30. يوليو 2024 - 22:36

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا