عرفت أغلب المجتمعات العربية إن لم نقل كلها مرحلة هامة في تاريخها مثلت هذه المرحلة حلقة أساسية من حلقات مسلسل الحياة فيها الا أن هذه المجموعات ورغم وجود أكثر من قاسم مشترك بينها قد تباينت في مابعد من حيث تعاملها مع هذه المرحلة مرحلة الدولة القبيلة فهناك
من فضل إحداث قطيعة حقيقة مع مايعرف بنظام الدولة القبيلة أو النظام الذي تكون السيادة فيه للقبيلة وداخل هذه القبيلة تكون السيادة للمجموعة الأقوي في القبيلة سواء كانت هذه المجموعة أسر وعائلات مايسمونه بشيوخ القبيلة أو كانت مجموعة حالفها الحظ بسبب تغلب مادي معين أو غيره المهم أن الحاكمية في مثل هذ النظام تكون للقبيلة وكما أسلفت بشكل خاص للمجوعة الأقوي فتستغل المال والجاه وتنتهز فرصة حكمها لتصنع من المجد ماعجز أفراد القبيلة عن صنعه خلال عمر القبيلة وتوصل صيتها لمحافل لم تسبق أن سجلت إسمها فيها ووو فتجد القبائل الأخري نفسها مضطرة الي التحالف معها راغبة أم مرغمة وهكذ يذعن الجميع لحكم القبيلة هذه الى أن يأتي اليوم الذي تتحول فيه موازين القوة صوب قبيلة أخري فتحتل وبسهولة مكان الأولي وتحذو حذوها وربمي وزيادة وهكذ تحكم العقول والطاقات بحكم القبائل والسلالات .... فمن بين هذه المجتمعات من فضل بالفعل إحداث قطيعة حقيقة مع حكم القبيلة وإستعاض عنها بنظام "دولة المؤسسات" بغض النظر عن عدالة هذه المؤسسات كما هو الحال في الجزائر ومصر وتونس والمغرب الي حد ما ... ومنها من لايزال يسر علي سيادة القبائل وتنفذها كما هو الحال في دول الخليج واليمن والعراق وسوريا بمستويات أضعف , ومنها من أعلن إيمانه بضرورة مقاطعة النظام الرجعي نظام الدولة القبيلة وأسرحتمية إستمرار العمل به فظلت الشعارت الفضفاضة والبراقة أحيانا تنادي بموريتانيا الجديدة وتصف العهد القديم بالفساد ـ والحقيقة أن الفساد صفة قديمة تتجدد وتلقي بظلالها علي كافة أبعاد الحياة ـ وأنه قد حان الوقت لنحكم أو لنحكم بنظام دولة القانون والمؤسسات بعيدا عن تدخل رجالات القبائل ورجال أعمالها ووو فيما ظل العمل يسير وفق إرادة القبيلة الا أن الحال يصبح أكثر تشعبا وأبلغ تعقيدا عندما تكون هناك أكثر من قبيلة تطمع في تصدر المشهد وتهدد بين الفينة والأخري بانسحاب القبيلة الفلانية وأتباع الشيخ الفلاني من الحزب الحاكم وتتوعد بالتصعيد في حال عدم ترشيحها علي رؤوس اللوائح وتشير الي الدور البالغ الذي تلعبه مليارات رجل الأعمال الفلاني في تمويل الحملة وبهاذا نكون في موريتانيا ـ كالعادة ـ نشازا من المجتمعات العربية الأخري إذ لم نؤمن إيمانا راسخا بوجوب القطيعة مع عهد نظام " الدولة القبيلة " وإستبداله بنظام "دولة المؤسسات" دولة الحريات و الحقوق... فينعكس ذلك الإيمان علي حياة المواطن العادي البسيط من خلال توفير أدني مقومات وحقوق المواطنة (الصحة , التعليم , السكن , الشغل ) وهي حقوق تصان أغلبها للاجئين وغيرهم من المواطنين بدرجات عادية ناهيك عن حفظها للمواطن الأصلي والذي يؤدي ماعليه إتجاه ما يفترض أن يكون دولة لكنه في بلدنا ـ النشازالذي يزاوج بين الحكم بنظام دولة المؤسسات ـ في ظاهر أمره ـ وبين الحكم بنظام الدولة القبيلة في باطنه ـ لاتضمن ولاتصان الحقوق المذكورة الا لمن ينحدر من قبيلة تتصدر المشهد أو علي الأقل تشارك فيه فعندها تفتح أمامه الأبواب وتسهل العوائق, إذ لايمكن لحامل شهادة أن يلج الي منصب أومرتبة هو جدير بها الا إذاكان ذو حظ في دوائر القرار ولديه من يذود عن " كرعتو " حين تقسم العشرة الأوائل من نتائج أغلب وأهم المسابقات بين الوزراء والعشرة الثانية بين كبار المديرين ليقسموها بدورهم علي من يرضون عنهم من المشاركين في المسابقة من ذويهم , وأما الصحة والتعليم والسكن فعلي من لايسمح له وضعه المادي العيني بالخصوص أن يدفع فواتير المدارس والمراكز الصحية الخصوية وفواتير الإيجار الغالية أن لاتحدثه نفسه بأن له حقوقا مصانة كهذه , وبهذ تكون القبيلة هي من يضمن لأفرادها هذه الحقوق وليست الدولة لمواطنيها !!! , أما إذا أردت الحديث عن المؤسسات التشريعية والتي ستتولي لاحقا مهمة تمرير والمصادقة علي مشاريع القوانين التي تتحكم في مصير البلد والمواطن فعليك أن تدرك جيدا أنك أمام مؤسسة تتبري فيهاجهود الأفراد والمؤسسات لتقدم إحصاء منهجيا قد تستفيد منه إذاماكنت يوما بحاجة الي معرفة خارطة البنية القبائلية في مجتمعنا أو كنت بحاجة لمعرفة درجة حرارة حمي سباقها علي مقاعد البرلمان فلاتكلف نفسك كثيرا فاللوائح ومراتبها تكفيك , أما عن حقائب الوزارات فلايختلف إثنان في الدور البالغ والذي يأتي معيار الكفاءة بعده في الدرجة الرابعة بعد أن إحتل معياري القبلية والجهوية المرتبة الأولي والثانية اليأتي معيار " التصفاك " في المرتبة الثالثة , لايختلف إثنان في الدور الحاسم وـ ليس البالغ فقط ـ للقبيلة فيه ...
وهكذا وفي خضم العجز التام عن تبني نظام مؤسسي قوي ـ يضمن حقوق المواطن ـ وعدم الجرأة الكافية للصدح بهذ العجز يبقي المواطن وحقوقه (المادية والمعنوية ) ضحية العلاقة المشبوهة بين الدولة والقبيلة .
لك الله يامجموعة قبائلنا المتعايشة ( موريتانيا) حتي لا أقول دولتنا مورتانيا