لا يختلف اثنان في أن العمل السياسي هذه الأيام يشهد موجة من الإحباط الشديد نتيجة الانسداد السياسي وأجندة الانقلاب وتصاعد نفوذ القبيلة وعودة رموز الفساد وبروز كتابات التملق والارتزاق وانقلاب الموازين وتراجع الوعي. فكيف نواجه ثقافة الإحباط ؟ وماهي نتائجها علي الدولة والمجتمع؟
يحبط الناس عندما تغلق أمامهم الأبواب وتتبدد الآمال وتتحطم الأحلام علي صخرة الواقع الكئيب جدا هذه الأيام .
أنصار الحزب الحاكم في أغلب ولايات الوطن ومقاطعاته ، ومراكزه وقراه يشكون من تسلط قادة الحزب واستبدادهم وإقصاءهم وظلم القبيلة وتحكمها في أجهزة السلطة وعودة نفوذها بعدما أعتقد الناس أنه ولي وإلي الأبد .
أنصار "الحزب الجمهوري" أعادوا إحياءه (في مجموعة من الأحزاب الصاعدة) مدفوعين بأجواء عامة من الفوضي والتراجع في قيم الحداثة والديمقراطية وقد جاءت تعبيراتهم صادمة للرأي العام عندما التفوا حول قبائلهم وعشائرهم وبطونهم وعائلاتهم واستنجدوا برموز الفساد الذين وجدوا فرصتهم سانحة للإنقضاض علي الشعبية بوسائلهم التقليدية وتجاربهم وخبرتهم الواسعة وخرجوا من أوكارهم العتيدة وقد ارتفعت أسهمهم من جديد في ساحة نجح الإنقلاب في عزل قادة الرأي والفكر فيها ومحاصرتهم في زاوية ضيقة .
خرجت علينا صيحات مدوية باسم القبيلة تنذر وتتوعد وتهدد وعقدت اجتماعات هنا وهناك ونشرت بيانات وأطلقت تصريحات كلها تكشف عن مستوي التراجع في الوعي والتعبير عن الإحباط علي طريقة أنصار الحزب الحاكم .
الحالمون بالتقدم والديمقراطية والنهضة التنموية أحبطوا بسبب الوضع العام للمجتمع والدولة والمنحدر الخطير الذي باتت البلاد مهددة بالسقوط فيه .
لقد أصبحنا نسير في اتجاه خطير علي وحدة البلاد وتماسكها و مستقبل أجيالها، فعندما نشاهد العالم من حولنا يتقدم ويحقق تحولات سريعة نحو الديمقراطية والتنمية وعندما نري محبطي الدول العربية يطلقون شرارة ثورة هي الأعظم في التاريخ الحديث .
وعندما نري الدماء تسيل بفعل الصراعات العنيفة بسبب الإحباط.
وعندما نري نقيبا ينقلب علي الجنرالات في مالي ويفرض مسارا من التحولات عندما نري المصريين يسهرون الليالي ويبيتون في الشوارع ويحشدون الملايين كل جمعة وكل سبت. عندما نري كل ذلك من حولنا ألا يكون من الواضح أننا لن نكون استثناءا من القاعدة ؟..
عبر بعض المعارضين عن إحباطهم وتركوا أحزابهم والتزم آخرون الصمت وابتعد البعض عن الأنظار ، ولم يخف البعض الآخر امتعاضه وغضبه ولكن الجميع أصيب بالإحباط بطريقة أو بأخري .
أحبط المشاركون في الإنتخابات من المعارضين وعبروا عن ذلك رغم وعود الحكومة بإغداق الأموال عليهم دعما لمشاركتهم في انتخابات لا يريدونها في شكلها الحالي ولكنهم لا يستطيعون إلا المشاركة فيها امتثالا لقواعدهم أو انسجاما مع خطهم السياسي المحاور أصلا للنظام.
أما المعارضة "الرافضة " فلاشك أن الإحباط تسلل إليها وإن كان موقفها هو الأكثر ارتباطا بمشروع نهضة الدولة الحديثة علي الأقل من حيث المبدأ ( بغض النظر عن أجندة أحزابها المختلفة).
إن الموقف الذي عبرت عنه منسقية المعارضة (المقاوم للإستبداد والإقصاء) من شأنه أن يحول إحباطها إلي قوة دفع عظيمة قد تخرج البلاد من دوامة الأحكام العسكرية المستبدة والمتخلفة وبطانتها من متسولي الأنظمة وممجدي الظلم والطغيان والحاقدين علي الحرية و الديمقراطية
فمن الإحباط تقوم الثورات................... ومن الظلم تولد الحريات