رحيل باتريس لا يعني نهاية المشوار / محمد ولد اندح

altيتواتر الحديث بشكل كبير الآن عن ترك المدرب الفرنسي باتريس نفه لمهامه على رأس الجهاز الفني للمنتخب الوطني (المرابطون)؛ إذ تتحدث بعض المصادر المطلعة عن توصله إلى اتفاق مبدئي مع إحدى دول القارة السمراء للإشراف على منتخبها.

رحيل باتريس في هذا الوقت بالذات، ترك بعض الشكوك لدى عدد من المتتبعين للشأن الكروي في البلد، الذين يعتقدون أن باتريس كان هو كلمة السر وراء النجاح الذي حققه منتخبنا في الآونة الأخيرة.

والحقيقة التي يدركها الملمون عن قرب بخفايا وأسرار كرة القدم في بلادنا هي أن باتريس كان جزءً من أدوات النجاح فعلاً، لكنه لم يكن أداة النجاح الوحيدة، ولا هو كان المحور الرئيسي في النهضة الكروية التي عرفتها بلادنا خلال السنتين الماضيتين، وتجلت في تأهل منتخبنا لأول مرة في تاريخه إلى نهائيات بطولة كبيرة معترف بها.

نعم، كان باتريس جزءً من قصة النجاح، ونقولها بكل موضوعية وصدق، كان واحداً من عوامل كثيرة تسببت في قلب الصورة السيئة لكرتنا الوطنية إلى صورة ناصعة ترضي الجميع، لكن الموضوعية نفسها تفرض علينا أن نعطي لكل ذي حق حقه، بعيداً عن المزايدات والقول بالهوى؛ وهذا يحتم علينا الاعتراف بأن العامل الكبير الحاسم في تغيير مسار كرتنا كان ذلك الرجل الذي وصل قبل أكثر من سنتين إلى قمة هرم الكرة في بلادنا، فحرّك بعمله المياه التي كانت راكدة، واستطاع في ظرف وجيز أن يحوّل أحلام الكثير من الرياضيين في موريتانيا إلى واقع معاش.

***

باتريس نفه ليس أول مدرب أجنبي بقدرات وكفاءات عالية يتولى تدريب المنتخب الوطني، فقد سبقه مدربون يملكون ما يملكه هو من الكفاءة، والجيل الحالي من اللاعبين ليس كذلك هو الجيل الأول من نوعه، فقد ملكنا أجيالاً يضاهونهم في المهارة والكفاءة والمستوى؛ لكن الذي تغير في كرتنا هو الرأس فتغير بالتالي كل شيء.

ومن هذا المنطلق، يجب أن لا يقلق الموريتانيون على مستقبل منتخبهم، فرحيل باتريس -إن حدث- لن يعدو أكثر من مجرد تغيير أداة عمل بأخرى، فما دامت الإرادة الكبيرة بالعمل الصحيح موجودة لدى قيادة كرة القدم في البلد فلا خوف على مستقبل المنتخب، وخاصة في ظل وجود جيل مميز من اللاعبين، لا يحتاج أكثر من إدارة مميزة تتيح له الوسائل وتتضمن أسباب النجاح.

***

انظروا معي إلى الدول المتقدمة في كرة القدم، حينما يكون لديها جيل من اللاعبين، وتملك إدارة قوية تتمتع بالكفاءة والجدية في العمل، حينها تصبح هذه العوامل هي الضمان الرئيسي لمواصلة النجاح بغض النظر عن أسماء المدربين، ولنضرب مثلاً بمنتخب أسبانيا الذي نجح سنة 2008 مع المدرب العجوز أراغونيس في الفوز بكأس الأمم الأوروبية، وحينما أعلن المدرب بعد هذا النجاح مغادرة المنتخب الأسباني ظهر الكثير من الخوف لدى الأسبانيين على مستقبل منتخبهم، لكن الذي حدث أن المنتخب نفسه واصل نجاحه المبهر وفاز بكأس العالم التالية سنة 2010 ثم كأس الأمم الأوروبية سنة 2012، والسر في ذلك أن أسبانيا امتلكت عوامل النجاح الأساسية التي كان الجيل المميز من اللاعبين أحدها، والإدارة الممتازة أحدها، فلم يخرج دور المدرب في هذه الحالة إذاً عن إحدى أدوات النجاح.

والأمثلة كثيرة في مختلف دول العالم بما فيها دول أفريقيا القريبة منا، فلذلك علينا أن لا نقلق أبداً على مستقبل منتخبنا الوطني لأننا نملك عوامل النجاح، ولن يضرنا تغيير أداة بأخرى، فالمدربون أصحاب الكفاءات والخبرة كثر ولم ينتهوا برحيل باتريس الذي صنعت موريتانيا اسمه أكثر مما صنع لها من إنجازات.

والغريب أنه بدلاً من إبراز هذه الحقائق للرأي العام وطمأنته، برزت بعض الآراء وخاصة من صحافتنا الفرانكفونية لتعطي لرحيل باتريس من القيمة ما لا يستحق، فتحاول أن تظهره كما لو أن رحيله نهاية المشاور، وخسارة كبرى لكرتنا الوطنية، في دعم غير مفهوم لموقف المدرب على حساب موقف موريتانيا الذي يجب أن يدعمه كل واحد منا حتى يجدد المدرب أو يعتذر عن ذلك.

وقد أدى هذا التهويل من طرف الصحافة الفرانكفونية لهذا الرحيل إلى غطرسة المدرب الفرنسي نفسه، وضغطه بشكل ينقصه الاحترام لبلدنا فبات يوزع ملفاته يمنة ويسرة في كل دولة، في محاولة للي ذراع بلادنا التي كانت قد كرّمته على إنجازه، ثم اتخذت قراراً بالتجديد له، لكن جشعه ودعم بعضنا له بطريقة خاطئة هو الذي أحال تلك الجهود إلى هباء منثور.

نشكر باتريس على ما قدمه لبلادنا دون أن ننقص من قيمة عمله، لكن المؤكد أن بدلاءه كثر، ونحن مستعدون للتعاقد معهم وإرضائهم ولكن ليس على حساب سمعتنا وكرامتنا، وستثبت الأيام -إن شاء الله- أن مسيرة النجاح لن تتوقف برحيل باتريس.

 

* كاتب صحفي مهتم بالشأن الرياضي

30. أكتوبر 2013 - 22:23

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا