بعد انقشاع ضباب التشكيلة الحكومية الجديدة وما حمله من رسائل استشرافية للمرحلة المُقبلة ورؤية فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لما يجب تحقيقه فيها تطبيقا لبرنامجه الطموح للبلد، فقد رسم معالي الوزير الأول المختار ولد اجاي من خلال هيكلة تشكيلة حكومته أهم ملامح الفترة المُقبلة وذلك من خلال الآتي
أولا: مأمورية الشباب رؤية للتمكين
بالنظر إلى الرؤية التي حملها برنامج فخامة رئيس الجمهورية وتعهده بأن تكون المأمورية الحالية مأمورية للشباب وتأكيده على ذلك في خطاب التنصيب، جاءت الهيكلة الوزارية الجديدة لتعكس التوجه الحكومي نحو تمكين الشباب وذلك من خلال التركيز على قطاعين معنيين بمسألة التمكين وهما قطاعي التشغيل والتكوين المهني، حيث تم رفع مكانتهما في السلم البروتوكولي الوزاري كتعبير عن مايوليه فخامة رئيس الجمهورية من أهمية بالغة لموضوع الشباب.
وزارة تمكين الشباب والرياضة والخدمة المدنية: لقد حملت هذه التسمية مُجمل اهتمامات الشباب بمُختلف أصنافهم ووضعياتهم سواءً كانوا عاطلين باحثين عن التشغيل أو موظفين باحثين عن الترقية والتأطير أو أصحاب اهتمام رياضي أو تطوعي أو شباب لم يكملوا مسارهم الدراسي ولديهم توجه نحو التكوين المهني ،بما يعني أن مختلف فئات الشباب ستجدها محل اهتمام من فخامة رئيس الجمهورية من خلال الأدوات التنفيذية ممثلة في وزارتي تمكين الشباب والرياضة والخدمة المدنية ووزارة التكوين المهني والتي أُلحقت بها الصناعة التقليدية وهو توجه في غاية الأهمية لدعم وتطوير المجال الحرفي اللذي يمتهنه الكثير من المواطنين المُبدعين .
ثانيا: وزارة الدفاع وشؤون المتقاعدين وأبناء الشهداء: تحمل هذه التسمية رسائل فياضة من مشاعر المودة والتقدير من القائد الأعلى للقوات المسلحة لأبناء القوات المسلحة الذين خدموا وطنهم وذادوا عن حماه، جنودا وضباط صف وضباط وقد سلموا راية الخدمة العسكرية وأحيلوا إلى التقاعد أو استشهدوا في سبيل وطنهم، بأنهم سيحظون بالإهتمام الذي يليق بتضحياتهم من أجل الوطن.
ثالثاً: دمج المالية والاقتصاد وفصل الأملاك العقارية للدولة لتكون وزارة مُستقلة.
تعتبر هذه الخطوة ذات أبعاد بالغة الأهمية ، فقطاعي المالية والاقتصاد قطاعين متكاملين ومترابطين ، فتعبئة التمويلات الخارجية التي تقوم عليها وزارة الاقتصاد والتي غالبها ديون يتم سدادها عن طريق وزارة المالية من خلال خدمة الدين الخارجي ،والقانون المالي السنوي يتقاسم القطاعين إعداد شقيه التسييري والاستثماري،كما أن المشاريع التنموية المنبثقة عن برنامج فخامة رئيس الجمهورية ومن الإستراتيجية العامة للدولة المتمثلة باستراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك التي تشرف عليها وزارة الإقتصاد،يحتاج تنفيذ تلك المشاريع بنجاعة وفي الوقت المحدد إلى مواكبة قطاع المالية من خلال آليات تمويل سريعة وشفافة وعادة مايكون عدم انسجام الفريق الحكومي سببا في تعطيل كثير من تلك المشاريع .
• إنشاء وزارة للأملاك العقارية للدولة والإصلاح العقاري
من المعلوم بأن وزارة المالية بإداراتها العامة الخمس الكبرى كانت عبئا ثقيلا على الوزير المعني بهذا القطاع بحيث لا يُسعفه وقته للتركيز على إدارة عامة واحدة من أجل وضع تصور إصلاحي لها في مجلس الوزراء وبالأخص إذا كانت كالإدارة العامة للعقارات وأملاك الدولة التي كانت وكرا لكثير من التجاوزات والتعارضات ، ومن خلال الهيكلة الوزارية الإصلاحية الجديدة وترفيعها إلى وزارة يكون صاحب الفخامة ووزيره الأول قد وضعا اليد على الجرح الغائر فآلاف الهكتارات قد ضاعت للدولة وعطلت فرص الإستثمار والإستغلال بسبب السياسة العقارية التي انتهجتها الأنظمة السابقة وجعلت الدومين العمومي مُلكا مباحا (اتراب الصالحين) فعن طريق القرابة والصداقة كان يمكنك وضع طلب بسيط لدى وزير المالية للحصول على مئات الهكتارات الأرضية طبقاً لمدونة الإستثمارات من أجل استغلالها لمصنع أو شركة تشغل مئات العمال ويتحول ذلك المشروع الوهمي لمجرد قصة تحايل على القانون ويجري تقسيم تلك الهكتارات لقطع أرضية يتم بيعها ، كما يحتفظ البعض بتلك الأراضي العشرات السنين دون استثمار أو بيع أو استغلال من الدولة منتظراً صاحبها فُرصة ذهبية كما هو حال بعض الهكتارات الأرضية الممنوحة لخواص على شاطئ انواكشوط.
إن مظاهر الفساد والتجاوز على الأملاك العقارية للدولة كثيرة وقد انتقل بسببها كُثر إلى وضعية ثراء فاحش، كما أن تعدد إصدار الرخص للقطع الأرضية والتمالؤ بين سماسرة العقارات وبعض الموظفين الفاسدين وتراكم المشاكل والقضايا جعل إصلاح المجال العقاري أمرا صعب المنال لكن مع التوجه الجديد من المُنتظر انتهاج مسار إصلاحي جدي يُعيد الهيبة للأملاك العقارية للدولة وينظم المجال تنظيماً مُحكما.
رابعاً: تحقيق السيادة الغذائية - دعامة للتنمية، وحصانة للدولة في وجه الأزمات الخارجية.
لقد رسمت الهيكلة الحكومية الجديدة التوجه الرئاسي نحو تحقيق الإكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية واعتبار ذلك أولوية سيادية ،فأزمة الإمدادات العالمية التي أحدثها كوفيد وما صاحبه من فرض قيود على التصدير، وأزمة صادرات الحبوب التي أعقبت الحرب الأوكرانية ،حتمت على الدولة ضرورة التوجه لزيادة الإنتاج الزراعي وقد أكد ذلك التوجه الحملة التي أطلقها فخامة رئيس الجمهورية من سد لقراير بتامشكط والزيارات المتعاقبة له إلى ولاية اترارزة ،وقد جاءت التسمية الأخيرة للوزارة بإضافة السيادة الغذائيّة للزراعة لجعل الهدف المنشود نصب أعين القائمين على القطاع ولا يمكن أن تتحقق السيادة الغذائية بتحقيق الإكتفاء الذاتي من المواد الغذائية إلا من خلال المضي قدما في سياسة إستصلاح الأراضي الزراعية وإنشاء بنك للقرض الزراعي لمنح قروض للمزاعين من أجل مضاعفة إنتاجهم وذلك بشراء الآليات والبذور واعتماد المكننة الزراعية ،فمضاعفة مواكبة ودعم المشاريع الزراعية تعزز تحقيق رؤية فخامة رئيس الجمهورية للسيادة الغذائية وللتمكين للشباب من خلال خلق فرص العمل ودعم مشاريعهم في المجال الفلاحي.
خامسا: ترقية اللامركزية والتنمية المحليّة: نصت الهيكلة الجديدة لوزارة الداخلية على استحداث وزارة منتدبة مكلفة باللامركزية مما يخفف العبء ويعزز التوجه لتعزيز دور الجهات والبلديات في خلق تنمية محلية شاملة وذات أبعاد مختلفة مستفيدة مما تملكه كل جهة من مقومات ومقدرات اقتصادية هامة وعلى ضوء هذه الهيكلة من المناسب تفعيل دور المستشارين الإقتصاديين للوُلاة وتعزيزهم بمستشارين اقتصاديين للجهات تقترحهم الوزراة المعنية بالإقتصاد تُحال إليهم مهام تسيير المصالح الجهوية للتخطيط التابعة للوزارة والتي تعتبر شبه مُعطلة .
سادسا: قطاعي التعدين والصناعة قاطرة للنمو الاقتصادي
مع تطور وتوسع مجال التعدين ليشمل التنقيب الأهلي الذي أنشأت في بداية المأمورية المنصرمة وكالة معادن لتنظيمه والإشراف عليه، مما ساهم في زيادة مداخيل الدولة المتأتية من مجال المعادن كما خلق مواطن شغل لكثير من المواطنين.
وعلى مستوى شركات المعادن الكبرى فقد حققت الدولة امتيازات هامة مع شركة تازيازت بعد مراجعة العقد بينهما، كما زادت شركة اسنيم مستوى إنتاجها وتحسنت ظروف عمالها أما شركة نحاس موريتانيا فوضعيتها شبه مستقرة منذ سنين.
إن الصناعات الإستخراجية تحتاج تحسن وضعية التصنيع لدينا فتكاليف الإنتاج لاتزال مرتفعة وتصدير المواد خاما يجعل مردوديتها أقل وبالتالي فإن الموارد التي ستتأتى من الغاز في الأعوام المُقبلة ستساهم بشكل كبير في تحسن وضعية الصناعة في حال تم توجيه نسبة منها للاستثمار في ذلك المجال، فوضعية الصناعة في البلد لاتزال متأخرة مقارنة ببعض دول المنطقة.
خلاصة فإن هيكلة الحكومة الجديدة تشكل أملا حقيقيًا وجديا في الإصلاح والتطوير تنفيذاً لطموحات رئيس الجمهورية للوطن خلال الخمس سنوات المُقبلة.
عاشت موريتانيا متعايشة مزدهرة
محمد ولد الشيخ محمد نوح ولد الشيخ الصوفي