منذ الانقلاب العسكري في عام 1978، شهدت موريتانيا تحولاً كبيراً في قيمها المجتمعية. فالأمور التي كانت تُعتبر سيئة وغير مقبولة في السابق، أصبحت اليوم محل تقدير وفخر. فالنهب المتفشي للمال العام، والرشوة، والمحاباة، والمحسوبية أصبحت ممارسات شائعة ومقبولة في المجتمع الموريتاني.
هذا التحول في القيم له انعكاساته السلبية على أداء الحكومات المتعاقبة، والتي فشلت على مدى عقود في النهوض بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. فالقيادات السياسية والإدارية لم تتمكن من وضع البلاد على السكة الصحيحة، وذلك لعدم قدرتها على تشخيص الجذور الحقيقية للمشكلة.
إن هذا التحول في القيم هو نتاج العديد من العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية. فالانقلاب العسكري عام 1978 أحدث فراغاً في السلطة وقيادة البلاد، مما أدى إلى ظهور نخب سياسية جديدة جشعة ذات ولاءات قبلية وعرقية. هذه النخب استغلت المناصب والموارد العامة لتعزيز مكانتها وامتيازاتها الشخصية، على حساب المصلحة العامة.
علاوة على ذلك، فإن ضعف التنمية الاقتصادية والاجتماعية في موريتانيا خلال العقود الماضية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، قد ساهم في ترسيخ هذه القيم السلبية في المجتمع. فأصبح النهب والرشوة وسائل للبقاء والحصول على الموارد في ظل غياب فرص العمل والخدمات الاجتماعية اللازمة.
لإعادة بناء القيم في المجتمع الموريتاني، يجب اتخاذ عدة إجراءات على المستويات المختلفة:
1. التركيز على التربية والتعليم: تطوير المناهج التعليمية لتعزيز القيم الإيجابية كالتسامح والمسؤولية والإنصاف، وتثقيف الأسر حول أهمية غرس هذه القيم منذ الصغر.
2. تفعيل دور المؤسسات الدينية والاجتماعية: تشجيع هذه المؤسسات على نشر رسائل قيمية في خطبهم وبرامجهم وأنشطتهم المختلفة.
3. تعزيز القدوة الحسنة: إبراز أمثلة للشخصيات البارزة والناجحة التي جسدت القيم الإيجابية في حياتهم وتكريمهم كقدوة للمجتمع.
4. تعزيز التنوع والاختلاف: إظهار قيمة التنوع الثقافي والفكري والديني في المجتمع وتشجيع الاحترام المتبادل.
5. تنفيذ برامج تطوعية ومجتمعية: إشراك الأفراد في أنشطة تطوعية وبرامج خدمة المجتمع لتنمية قيم التعاون والتضامن.
6. تفعيل دور وسائل الإعلام: توجيه المحتوى الإعلامي لتسليط الضوء على القيم والممارسات الإيجابية في المجتمع.
7. التشريع والقوانين: سن تشريعات تعزز القيم وتحد من السلوكيات السلبية في المجتمع.
إن تظافر هذه الجهود على المستويات المختلفة سيساهم في إعادة بناء القيم المجتمعية الإيجابية في موريتانيا، والنهوض بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.