محاكمة إرادة الشعب أم الضمير العربي / الحاج ولد المصطفي

 الحاج ولد المصطفييوم الإثنين الموافق الرابع من نوفمبر2013م يقف التاريخ أمام محطة هامة في تاريخ الثقافة المعاصرة ،فعندما يساق رئيس منتخب لم تكتمل مأموريته الدستورية بعد ليمثل أمام محكمة "دستورية " وتحت حراسة جيش "دستوري" فمالذي سيحدث؟ مالذي سيتعلمه طلاب القانون والفكر السياسي من هذا الحدث؟

ماذا سيقول زعماء أكبر ديمقراطيات العالم الحديث؟ ماهي العبارات التي سوف يلجأ إليها قادة الفكر السياسي اللبرالي والقومي والسلفي اليساري لتبرير محاكمة رمز الإرادة الشعبية في مصر؟

حين تسلب من أكبر شعب عربي وأعظمه إرادته التي عبر عنها بأكثر وسائل التعبير الديمقراطي شفافية - بشهادة الجميع – وبواسطة انقلاب عسكري مكتمل الأركان ثم نري زعماء العالم الغربي الذي يدعي رعاية ودعم الخيارات الديمقراطية في المنطقة العربية يرتبكون في التعبير:

:- انقلاب لكنه أصبح واقع - يقول أحدهم –

-  ليس انقلابا - يضيف آخر- إنه تلبية لرغبة الحشود الرافضة للأخونة .

-   يستطرد ثالث:- بلغة الدبلوماسية- إنه شيء آخر غير الإنقلاب سببه عجز النظام...

- ينبري لهم رابع :هذا الشيء عندما يشبه البط في صورته وصوته ومشيته فهو بط ................

إنّ النظريات السياسية والتيارات الفكرية أجمعت علي جملة من المفاهيم العصرية ذات الأبعاد الإديولوجية ( المساواة ، الدستور ، القانون ،حكم الشعب أو الديمقراطية .....إلخ) .لكن التنظير السياسي واجه تحديات علي صعيد الممارسة في الدول العربية فعندما دخل الأفراد في علاقات سياسية انحرف خط المساواة فيما بينهم ، ليتمتع البعض منهم بامتيازات لا يجدها الآخرون ،تلك الإمتيازات (قائد جيش ، مدير شرطة ، رئيس محكمة مدير تلفزيون ، رئيس حزب ......) مهما كانت صفتها فهي التي تخول أصحابها ممارسة السلطة . فالسلطة إذا ظاهرة معقدة لا تمنحها صناديق الإقتراع ،بل ترتبط بتطوير المجتمع لوعيه المؤسسي وممارسته الواقعية حتى نصل إلى الصورة التي نلاحظها في المجتمعات المعاصرة .

ويأتي مفهوم الشرعية ليؤكد ما ذهبنا إليه ، حيث أن نطاق السلطة مجرد ونطاق الشرعية مكتسب وغير دائم فالشرعية إذا لا تفرض كالسلطة

فلأي سبب – مثلا- ظهر أفراد وعائلات في المجتمعات العربية اختصوا بممارسة السلطة دون بقية الأفراد والعائلات ؟؟؟

إن الإجابة علي هذا السؤال لا تبدو سهلة فهي ترتبط بمجموعة من الحيل السياسية والقانونية والتبريرات الإعلامية التي أنتجها الفكر الغربي وأعتنقها المثقف العربي كمفاهيم الأمن والسيادة وما يتفرع عنهما من مصطلحات( كالقوة العسكرية والوثائق المدنية والدعاوي القضائية والصفقات السياسية) لكن مفهوما آخر أنتجته الثقافة الماركسية يمكن أن يكشف عن بعض تلك الحيل وأبعادها الإقتصادية خاصة، فالتحليل الماركسي يؤكد علي العلاقة بين الدولة و مجموعة العناصر الأخرى في المجتمع ، و بين البنية الفوقية .

غير أن هذا المفهوم لا يؤدي إلى مفهوم السيادة التي تعتبرها الماركسية جزءا من مفهوم الدولة و الحكم والسياسة وجميعها من العناصر المشتقة من البنية التحتية التي هي القاعدة الإقتصادية و الإجتماعية والتي علي أساسها يندلع الصراع بين الطبقات .

إذا عدنا إلي الثقافة الغربية التي أنتجت مفاهيم سلطة الشعب أو الديمقراطية الليبرالية فإننا سند أنها حريصة كل الحرص علي أن تمكن للطبقة المهيمنة علي القوة المادية والإقتصادية لكي تبقي متحكمة في الدولة وفي الشرعية لذلك نجد أن تمرير اللعبة الديمقراطية - كما يسمونها- يرتكز علي عناصر غير محايدة من النفوذ الحالي للأفراد والمجموعات وتوظيف جميع السلطات من أجل اكتساب شرعية الإنتخاب ، لكن المفارقة ستأتي عندما يختار الشعب قوي مناقضة لقيم الغرب وثقافته؟ أو عندما تنال الطبقة الكادحة – بعبارة أخري- جزءا من حقوقها ؟

انتصار الإسلاميين في الإنتخابات البرلمانية في الجزائر أدي إلي أن تراجع قوي غربية (فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة)مواقفها من الديمقراطية وتلجأ إلي سياسة إصلاح الأنظمة بوصفها الضمانة الوحيدة لمنع وصول القوي الشعبية المصنفة (معادية لقيم الغرب) إلي السلطة.لكن نظاما آخر تحدي الغرب بديمقراطيته وهو الشعب الفلسطيني البطل الذي أنتخب حماس (حركة المقاومة الإسلامية ) ومكنها من أول سلطة ديمقراطية أشرف الغرب نفسه علي إجراء انتخاباتها وفي ظل سلطة محتلة وكانت تلك المعركة إيذانا ببدء محاولات غربية حثيثة لتشويه صورة الإسلاميين وإقناع الشعوب العربية بخطرهم القادم والزج بهم تحت طائلة الإرهاب فكانت الحرب علي الإخوان أو التيار الإسلامي في مصر والأردن وسوريا والمغرب وتونس ................وحتي موريتانيا.

ثم جاء الربيع العربي ليكشف زيف ادعاءات الغربيين وخطر الازدواجية في معايير ديمقراطيتهم الإديولوجية المغلفة بالمصالح النفعية والتبعية المفروضة علي الآخرين ومستوي الإنهيار والتردي في منظومة القيم الثقافية العربية خاصة لدي تيارات الفكر السياسي العربي الحديث والمعاصر .

إن مشكلة الإنقلاب علي الشرعية في مصر لا تعد بالمعايير الغربية مشكلة ديمقراطية لأن سلطة الشرعية لم تؤدي إلي حماية أمن إسرائيل وتحقيق مصالح الغربيين بل علي العكس كادت أن تسير(لو قدر لها أن تبقي) في اتجاه اقتلاع جذور التبعية والإستلاب الحضاري والتمزق العربي والرئيس الشرعي والمنتخب الدكتور محمد مرسي هو نموذج لو أنه حكم مصر لتحقق لها - في وقت وجيز- ما يجعل كل الشعوب العربية تثور علي حكامها.

إنه رئيس لا كالرؤساء ، طلق الدنيا ثلاثا ولم يشغله منصب أو موقع عن الإشتغال بربه والعمل لدينه فهو حافظ لكتاب الله ومتخرج من الجامعات الأمريكية ومناضل ذاق مرارة الفقر والحرمان والسجن وجاء إلي السلطة زاهدا فيها طالبا رضي ربه وشعبه غير مكترث بعدوه .

الرئيس المصري الشرعي الوحيد في تاريخ الدولة العربية الكبري لم يسرق مالا ولم يظلم أحدا ولم يقبل بتعليق صورته في المكاتب أو أن يتوقف السير لمرور موكبه لم يغادر سكنه في شقة مستأجرة بحي شعبي إلا للعمل ،ظل ابنه يعمل في الخارج لتغطية نفقة أسرته وسافرت أخته للعلاج في الخارج علي نفقتها ،فلماذا يحاكم إذا؟

ربما – سيقول البعض بمنطق ثقافة اتفكريش - لأنه لم يفعل ذلك كله وأعظم منه ؟ وربما لما يدعيه السيسي نفسه ويحاكمه بسببه وهو التخابر مع "إسرائيل" عفوا مع "حماس" نعم مع حماس فقد وجد رقم هاتف أحد قادة حماس (صديق شخصي )نائب رئيس المكتب السياسي وجد من بين الأرقام التي تحدث إليها الرئيس من حجرة نومه.! وربما أيضا – حسب روايات إعلام الإنقلاب- بسبب أحداث قصر الإتحادية التي يتهم فيها وقد توفي فيها عناصر من الإخوان ولم يستدعي لها وزير الداخلية (مستشار الرئيس الحالي)..!

إنها بإختصار لعبة الديمقراطية الغربية يلعبها "الغرب"ويروح ضحيتها"العرب " إنها إديولوجية الشرعية التي تؤسسها القوة وليس الحق وديمقراطيتنا كمسلمين يجب أن نؤسسها علي الحق ثم نحميه بالقوة ومثال حماس خير شاهد علي هذا النهج الذي لن يكتب لديمقراطيتنا النجاح إلا إذا فهمنا مفردات ما يراد لنا وامتنعنا عن تدخل الغربيين في خياراتنا السياسية .

واستحضر هنا أبياتا لشاعر موريتاني في مناسبة مشابهة لمحاكمة الرئيس المصري الشرعي محمد مرسي حيث يقول:

فل تليئم كيفما شاءت محاكمهم ....................................................................

لا عدل منهم ولا إنصاف نطلبه ...........................ففاقد الشيء طبعا ليس يعطيه

 

الحاج ولد المصطفي: [email protected]

2. نوفمبر 2013 - 8:33

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا